عشارية ” شرف” محددات صراع تقليدية تخلو من مقاربة مؤثّرة

نضال بشارة

تتيح المنصات الإلكترونية عرض المسلسلات التي تطرح الموضوعات التي لا تفضّل عرضها الفضائيات العربية، كما جاء في عشارية ” شرف” التي أنتجتها وعرضتها مؤخراً منصة “وياك”. كتبتها ديانا جبور، وأخرجها ابنها “مجيد ” الذي أسند له والده المخرج باسل الخطيب شخصية الشاعر نزار قباني، وهو طفل، في المسلسل الذي تناول سيرته. و”شرف” أول عمل له بعد دراسته للإخراج السينمائي، وهذا ما لمسناه من معالجته البصرية وحركة الكاميرا، ومن خلال سرده البصري في منأى عن الحوار في مشاهد عدة، كانت مشبعة بدفء المشاعر التي أرادت أن تبوح بها. تناولت الحلقات العشر موضوعة لا تزال تؤرق مجتمعاتنا العربية ذات الصبغة الذكورية الصاخبة، وهي مسألة “شرف” المرأة، كلما تم الشك في سلوكها، لكن المفارقة التي ليست لصالح الكاتبة أنها عرضت مشكلة البنات اللواتي فقدن عذريتهن، من دون أن تعرض لنا مشكلة فتاة تتعرض للقتل على يد شقيقها أو أبيها، ومن ثم يكشف الطب الشرعي أنها عذراء!. ما يعني أن الكاتبة لا تزال تصر على أن شرف المرأة والمجتمع يكمن في تلك المنطقة الحساسة.

الصدمة المفقودة

قدّمت جبور عشاريتها من دون أن تقارب مسألة أن سلوك الرجل لا يمت بصلة للشرف إن خان وطنه أو سرقه، أو قتل من شاء، أو كان فاسداً مخرباً لاقتصاد بلده، أو لا يعامل أسرته بشكل إنساني، بمعنى أنها قدمت اعتقاداً تقليدياً لمفهوم الشرف، وهو ما دفع ببطلتها ” آسيا/ أمل عرفة ” للتستر على البنات اللواتي فقدن عذريتهن سواء بعلاقات عشق أو بحالات اغتصاب. كما أن الكاتبة جبور، لم تساعد حتى الشخصية التي اغتصبها شقيقها والذي كان قد اغتصب ابنة عمته، على نجاح انتحارها! إذ كان يفترض أن ترسم مصيرها على نحو كارثي، وأن تترك رسالة تفضحه، لمواجهة المجتمع الذكوري. فمثل هذا الموضوع يحتاج صدمة أكبر من الكاتبة للمجتمع الذكوري لتكون المقاربة الفكرية ذات تأثير أفضل، وإن كان ذلك يحتاج لمعالجة درامية بمحور رديف، لكنه كان سيعطي للعشارية قيمة أعمق من محور الفتاة ” جوى/ دوجانا عيسى” التي زوجوها أهلها ” عدنان أبو الشامات، ومريم علي” لرجل ثري “وائل رمضان” يكبرها بالسن كثيراً، من دون حاجتهما للمال، ولم تقنعنا الكاتبة بأسباب هذا الزواج خاصة أننا لم نلمس أن لذويها غيرها من الأبناء، فمقاربة معاملة المرأة بشكل سادي خلال العشرة الزوجية ومسائل أخرى أكثر بشاعة، بعيدة عن المحور الأساسي لموضوع العشارية، لأن مسألة بيع المرأة في المجتمع الذكوري، حاضرة بشكل أو بآخر، في نسيج حكايات الفتيات الأخريات، خاصة أن ما جرى للفتاة ” جوى” نُسِجَ من دون مسوغات درامية. لكن للأمانة قدمت الكاتبة شخصية واحدة لعبها “فراس إبراهيم” تجسّد القسوة، ولا تعرف حنان ومحبة الأب التي أشار إليهما ابنه ” مجد فضة” الذي يعتبر الحالة الإيجابية الوحيدة للرجل الذي تستر على شقيقته وأقنع والده بدفنها وهي طيبة بدلاً من قتلها، ومن ثم استطاع أن يوهمه بنسيان عدة حفر القبر، فعاد وانتشلها، وأخذ يرعاها بمساعدة الأم ” هناء نصور”حتى بدأت تخفّ من صدمتها رغم إنجابها، لكنها لم تفلت من معاقبة الأب عندما علم بأنها لا تزال حية فقتلها أمام الشاب الذي أحبها، والذي لم تسوّغ لنا الكاتبة لماذا لم يسجل زواجها فساهم في قتلها. ففي أصل حكاية هذه الفتاة ثمة زواج غير رسمي وثمة حَمْلٌ، فكيف لأب في مجتمعنا بقبول ذلك؟ فالزواج غير المسجل بالمحكمة لا أحد يعترف به، ويعتبر في نظر المجتمع مرذولاً.

حق الفتاة

كان حرياً بالكاتبة أن تطرح حق الفتاة بالزواج حين بلوغها السن القانوني، من دون موافقة أهلها إن رفضوا من يتقدم لخطبتها، بمعنى أن تصبح المرأة سيدة نفسها عند بلوغ السن القانوني، وهذا الكلام لا يعني تشجيعاً لما قد يذهب الظن ببعض القرّاء نحو أمور غير أخلاقية. فإن لم تسع الدراما التلفزيونية إلى الدعوة لحماية المرأة بحصولها على هذا الحق أولاً، فكل معالجة درامية لما يسمى بغير وجه حق ” جرائم شرف”، غير ذات تأثير ولا أهمية لها، مهما بلغ فريق التمثيل من جهد في الأداء كما شاهدنا.

ومما جعل هذه العشارية ضعيفةً أيضاً أن الكاتبة نحت نحواً تقليدياً في محددات الصراع بين حالة الفقر التي تعاني منها “آسيا” التي يجب أن تعالج أمها ” صباح الجزائري” المريضة بالفشل الكلوي، وهي “الداية” سابقاً والتي كان يستعان بها لمعاينة “شرف” البنات حين يتم الشك بهن، ولم تكن تتستر على إحداهن! في حين مضت ابنتها بالتستر على الفتيات المهددات بالقتل إن انكشف أمرهن بعدم عذريتهن، أو بِحَمْلٍ غير شرعي، وفقدانهن فرصة الزواج، لكن تحت وطأة إغراء المال، هذا المال الذي دفع أيضاً الطبيب ” فاتح سلمان” للتستر على أفعال “آسيا” التي تعمل عنده في العيادة، وتستخدمها لصالحها الخاص، مقابل دفع نفقاتها في ظل أن دخل العيادة لم يعد يسمح بذلك.

فدائماً توضع الشخصيات تحت وطأة الحاجة المادية التي سرعان ما ترضخ لها دون أي محاولة لطلب المساعدة من أحد، ولأجل ذلك بترت الكاتبة كما يفعل معظم كتّاب الدراما التلفزيونية شخصياتها اجتماعياً منعاً لمحاولة طلب مساعدة حين الحاجة، ولأخذ الشخصية للفعل الدنيء الذي يريدون ارتكابه، وهذا ما اضطرت “آسيا” لأن تفعله، فما استغرقت بفعله لم يكن بدافع إنساني لتنقذ حياة الفتيات بل كان طمعاً بالمال. ولذلك كل معالجة درامية ناقصة لا جدوى منها. والعشارية تكللت ببعض الأخطاء الفكرية والفنية أيضاً، من مثل ذلك البيت الخشبي الذي لم يعرف من هم أصحابه، والذي مرّت عليه سنوات الحرب ولم يصب بأي أذى ! رغم أننا افتقدنا جميعاً لمحروقات التدفئة خاصة في الأماكن التي شهدت معارك عنيفة، فكيف لم تفكر الناس بسرقة أخشابه تحت وطأة الحاجة، كما دفعت الحاجة “آسيا” للاستغراق في عملها، فقتلت صبية بسبب جرعة تخدير عام لم يحتمله جسدها، ولم يدر بها أحد، وفضلت والدتها التستر على فضيحة ابنتها بالموت.!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار