هَوَس نجومية الفرد وتدمير رسالة الفنون!

هدى قدور

الطموح إلى النجومية أمر مشروع لا غبار عليه قانونياً وأخلاقياً، لكن المسألة تحتاج شرحاً، وإبرام اتفاق مسبق حول المصبات النهائية التي سيصل إليها ذلك الطموح. هل سيكتفي بفيلا وسيارة موديرن ورصيد في البنك؟ أم إن هناك ما يجب أن يقال ويأخذ صفة الرسالة النبيلة التي قد تعني الفقر وشظف العيش والعذاب حتى لو صار الشخص نجماً؟.
الطموح إلى النجومية بلا رصيد معرفي، أوقع الموهوبين في مطب المنافع الشخصية، وبالتالي كان على الموهبة أن تنحرف عن مسارها كي تحقق مطامح الشخص وتعزز انفصالها عن الواقع الاجتماعي الذي يحتاج رسالة الفن.. هكذا رأينا ممثلين تبنوا أدواراً لا تنسجم مع مواهبهم، وتشكيليين رسموا لوحات من أجل التكسب المادي أو بناء على طلب الزبون، كما تورط شعراء في قصائد المدح المجاني الذي كانوا بغنى عنه!. وسيبرر الفنانون ذلك بأنهم يريدون تأمين لقمة العيش ومستقبل الأولاد والشيخوخة، وبالتالي لابد من مراعاة انحرافات النجومية أو تواطئها مع شروط السوق، لأن الفن من أجل الفن لا يطعم خبزاً، ويجب غفران تلك الأخطاء وعدم اعتبارها جرائم بحق الفن والجمال.
القضية إشكالية ومعقدة، ويمكننا أن نعدد الكثير من الممثلين الذين دمروا موهبتهم بسبب مراعاة ظروف الإنتاج، فأغرقوا في نوع معين من الأعمال بناء على طلب صاحب رأس المال، فيما اعتقد الجمهور في البداية أنهم أصحاب مشروع وأبناء رسالة لابد أن تصل إلى الناس حتى لو تسبب لهم ذلك بشظف العيش والفقر. بهذا المعنى، أدى هوس النجومية إلى تدمير رسالة الفنون، ونحن نعرف فنانين ارتضوا أن يكونوا موظفين براتب شهري مغرٍ في صالات العرض، يرسمون ما يتطلبه السوق، في حين كانت مواهبهم تتدمر وتتلف مع الموضة كأنهم مصممو أزياء!.
تُرى، لو خضع سلفادور دالي لهذه الاعتبارات، هل كان سيخترع السريالية في الرسم؟ ولو انساق الماغوط مع متطلبات ذائقة الجمهور في ذلك الوقت، فهل كان سيكتب النثر؟ ألا يمكن القول إنه كلما غابت الرسالة انحرفت الموهبة عن مسارها الإبداعي الطبيعي الذي يفترض بها الارتقاء بالحس الجمالي للناس؟ ولا نعني بالرسالة سوى الانسجام مع الحالة الإبداعية وعدم قسر الشخصية فيما يسيء إليها أثناء مسيرتها في الإنتاج.
هل يمكن القبول بالقول إن النجم ملك نفسه، وهو صاحب الحق في اتخاذ القرارات التي يعتقدها مناسبة لموهبته وطموحاته؟ ربما، لكن بشرط أن يقبل المبدع بحرية النقد في تقييم تلك التجربة والإشارة إلى مواطن الخلل فيها، والتي سيكون أبرزها الركض وراء الطموحات الشخصية بلا رسالة سوى كسب المال!.
مات كثير من المبدعين من دون أن تُطبع رواياتهم، لأنهم انساقوا مع الحالة الإبداعية ولم يكتبوا انسجاماً مع السياق العام. لكن رواياتهم نالت لاحقاً الجوائز والتكريمات حتى إن كانوا موتى! فهل كنا سنحصل على تلك المتع الفريدة لو أنهم راعوا الكلاسيكيات السائدة أو شروط دور النشر التي تريد طباعة الرائج الذي يبيع أكثر؟.
بالتأكيد، الحكم في النهاية هو على سلامة المنتَج وجودته ومدى الجدّة فيه، ومن يقبل أن يكون موظفاً في الفن لن يكون بالتأكيد مثل من يفتتح الآفاق ويقارع الاحتمالات، حتى ولو خسر!.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار