احترس من محركات البحث!
السيد شبل
تدور العديد من الأكاذيب على ألسنة الناس على مر العصور، وكلما كبرت الكذبة كلما أصبحت عملية تصويبها أعقد بكثير. وقد كانت التوقعات تدور حول انتشار المعرفة طرديًا مع الانتشار الواسع لاستخدام “الانترنت” وسهولة استخدام محركات البحث، إلا أن العكس تقريباً هو الذي حدث، فقد أسهمت مواقع “السوشيال ميديا” في توسيع مساحة انتشار الأكاذيب سواء أكانت سياسية أو علميّة أو غير ذلك، حتى اللجوء إلى موقع “جوجل” صار محاولة غير مضمونة العواقب بسبب انتشار ” المواقع رخصية التكلفة ” التي تقوم على نسخ المحتوى المزيف وتعميمه من دون تدقيق أو مراجعة، ناهيك عن المنصات الإعلامية ذات الأغراض السياسية والتي تقوم بنشر ما يتواءم مع توجهها من دون مراعاة القواعد المهنية، وبالتالي تضاءلت مساحة الحقيقة وسط هذا البحر من الزيف والأكاذيب، ما تسبب في نهاية المطاف بانقلاب التوقعات، وأصبح مستخدم الانترنت صيداً سهلاً لمروجي الأكاذيب.
ولا يقتصر رواج الأكاذيب والإشاعات على بلادنا العربية أو شعوب العالم الثالث، ولكنه يمتد إلى مختلف البلدان حول العالم، بما فيه دول العالم الأول، وقد أجرى أحد الصحفيين الأوروبيين تجربة عملية للبحث عن إجابة سؤال “من هو الرجل الأسود الذي حكم أمريكا؟”، وكان المفترض أن تكون الأجابة هي ببساطة: باراك أوباما، إلا أن مواقع الإنترنت
–حسب ما هو منشور على موقع البي بي سي بتاريخ 1 آذار 2017- أوصلته إلى نتائج أخرى صادمة، فأحد المواقع التي وصلها من خلال “غوغل” قالت أن أول رئيس أسود كان رجلًا يُدعى جون هانسون في عام 1781، وآخر قال أنه كان للولايات المتحدة سبعة رؤساء سود بمن فيهم توماس جيفرسون ودوايت أيزنهاور!.
والمؤسف أننا في العالم العربي، لم ننتبه كفاية حتى الآن إلى خطورة ما يحصل، وبالتالي ثمة ضعف ملحوظ في الإجراءات المتبعة لمقاومة هذا الكم الهائل من الأكاذيب والإشاعات المنتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو التي يمكن الوصول إليها من خلال محركات البحث.
وإن كنا نقرُّ بأن هذه المشكلة عالمية الطابع ولا تخص بلادنا وحدها، إلا أننا يجب أن نعترف بأن الدول الأكثر تطوراً تملك ركائز علمية أكثر مما نملكه نحن بفارق شاسع، وأن هناك مجهودات ملحوظة لتصويب كل ما يرد على الإنترنت من شائعات، وقد يأتي هذا الجهد عبر جهات متخصصة أو أحياناً عبر عمل تطوعي من أشخاص يفتشون عن المصادر الصحيحة التي تدحض ما ينتشر من أكاذيب.
وهناك أيضاً الصحافة وما تبذله من جهد في إثارة انتباه القارئ لما يتبناه من معلومات خاطئة.
وتلعب الصحف ووسائل الإعلام الكبرى في دول العالم الأول والثاني هذا الدور بمهارة واحترافية، وتعتمد على شبكة من الصحفيين والمحققين ذوي الكفاءة العالية ما يمكنهم من تحرير وإعداد كم هائل من التحقيقات والأفلام الوثائقية.. إلخ، ويلعب مثل ذلك الدور الأبرز في دحض الأكاذيب العديدة المنتشرة، كما يعمل على منافسة الأخبار المزيفة على محركات البحث ومن ثم إزاحتها وتعريتها.
وهذا على العكس مما يحصل في عالمنا العربي اليوم، حيث أصبحت كثير من وسائل الإعلام تعتمد على النسخ واللصق من دون تدقيق أو بحث، كما تراجع معدل الكفاءة بشكل ملحوظ، ما أثر بالسلب على المنتج النهائي.
وبالتالي أصبحت نسبة معتبرة من مؤسسات الإعلام العربية متورطة في ترويج الأكاذيب المنتشرة على الإنترنت، بسبب داء الكسل الذي صار منتشراً بيننا جميعاً، فدفع المحرر أو المعدّ إلى النقل عن أحد المواقع غير الموثقة المنتشرة على الإنترنت، دون مراجعة أو فحص للمحتوى، فكانت الثمرة النهائية هي إعادة تدوير الأكاذيب عوضاً عن دحضها وإظهار مواطن التزييف فيها.
كذلك تمتلك وسائل الإعلام في الدول الأكثر تقدمًا “وحدات لفحص الحقائق”، وهذا أمر يندر وجوده في العالم الثالث، وعندما تتورط وسائل إعلام أجنبية في تزييف حقيقة ما، فإنها –على الأقل– تكون على دراية بذلك وتفعله لغرض ما، ضمن أهداف عليا لحكومة الدولة التي تمولها!.
ومن الأسباب التي ساهمت أيضاً في انتشار الأكاذيب حول العالم، هو البحث عن “الربح عبر الإنترنت”، فقد يؤسس مجموعة من الشباب موقعاً للأخبار المزيفة، ومن خلاله يقومون بنشر أي خبر مزيف شرط أن يتمتع ببعض “البهارات” التي تكون قادرة على إثارة شهية متصفح الإنترنت، وبمجرد الضغط والدخول إلى الموقع، فإن هذا الأمر يتحول إلى أرباح تصب في حسابهم البنكي، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
ولقد دفع الوطن العربي ضريبة شرسة بسبب انتشار الأخبار المزيفة والتي ساهمت في إشعال الأوضاع خلال العقد الماضي، وتسببت في كم هائل من الخسائر المادية والبشرية في سياق ما عرف بـ”الربيع العربي”، ولا تزال آثار ذلك ماثلة أمام العيون إلى اليوم.
العجيب هنا، أن إقبال الأشخاص على ابتلاع الخبر المزيف ربما تكون أكبر بكثير من إقبالهم على تصديق الخبر الصحيح، والسبب يعود إلى تشبع الإنسان من طفولته بكم هائل من الأكاذيب والخرافات جعلت عقله على استعداد للتفاعل مع ما يشبه هذا النوع من الأفكار، بالإضافة إلى أن الأخبار المزيفة دائماً ما تكون مثيرة ولافتة وتزعم أنها تكشف أمور ما ورائيّة وخلف الستار، كما أنها تلعب على أوتار عاطفية ولا تتورّع عن التجارة بالأديان إن لزم الأمر، ما يجعل من يستقبلها متحمس جداً لتصديقها واعتمادها كحقيقة لا غبار عليها، وتصبح أي محاولة من الباحث لتعديل قناعاته هي بمثابة مهمة انتحارية، و”نحت في الصخر” بالمعنى الحرفي للتعبير.
كاتب من مصر