عيدٌ يُحاصره الغلاء في دير الزور.. وأضاحٍ بأكثر من مليون ليرة 

عثمان خلف 

لا حركة شراء لثياب العيد تُذكر في دير الزور، فالكثير من العوائل حافظت لأبنائها على ما اشترته في عيد الفطر، ولا شراء للعيد بزخم سابقه، واقتصر الأمر على المُقتدرين، وكدلالة أكثر تلاحظ انعدام الاكتظاظ على مكاتب الحوالات، فبدا الوضع اعتيادياً، فيما حرصت عوائل على شراء أضحية العيد حسب قدراتها الماليّة .

عيدٌ يحاصره الغلاء

جاءت حركة التبضع للعيد خفيفة – إن صح التعبير-، مظهره كما يُشير «معاذ الحمدان» تجده في القلوب، أما شراء الثياب فالغلاء حال من دون ذلك، كثيرون احتفظوا بلباس عيد الفطر، فمع انتهائه حرصت العوائل على أن تُخبئه للأضحى القادم لتوفير المال، ولاشك كنت من هؤلاء.

فيما أشار عيدان العلي لـ«تشرين» إلى أنّ حوالة ماليّة وصلته من ابنه ساعدته في أن يشتري لباساً وأحذية لأولاده الثلاثة، فمردود عمله الحكومي لا يُسعفه بتأمين مبلغ الشراء: ” كنزة مع «بنتكور» لكل واحد منهم بسعر 50 ألف ليرة، فيما الأحذية بسعر 20 ألفاً «فمددنا غطاءنا على قدر أرجلنا»، ولولا ما وصلنا من تلك الحوالة لما استطعنا شراء تلك المستلزمات .

تختلف أسعار اللباس مابين محلٍ وآخر، ففي سوق شارع سينما ” فؤاد ” حيث المحلات الراقيّة جاءت الأسعار مرتفعة بالرغم مما جرى تسويقه عن تخفيضات ضمن ما سُمي بأسبوع السوق الخيري – حسبما أشار كثير ممن توجهوا للتبضع، فالتخفيضات التي تراوحت بدءاً بـ10 %، 15 %، وحتى 20 و25 % إلى الحد الأعلى الموضوع وهو30 % لا تتناسب وإمكانات أغلبية الناس .

” الكليجة ” 10 آلاف

اعتاد أهالي محافظة دير الزور أن تكون ” الكليجة ” على رأس قائمة ضيافة الأعياد وهي إحدى أنواع الحلويات التي تشتهر بها المحافظة، وكما يصفها أحد أصحاب محال بيع الحلويات فهي عبارة عن أقراص كعك مجوفة تصنع من الدقيق وتُحشى بالتمر أو العسل أو السكر أو دبس التمر أو بعض المكسرات: ” صناعتها لدينا قديمة، اعتادت الأسر تحضيرها قُبيل دخول الأعياد بيوم، حيث كانت تُعد على«التنور» في المنازل كما في الأرياف، أو بواسطة الفرن المنزلي لدى سكان المدن، ثم باتت لها محال تبيعها ومختلف أنواع الحلويات، ويصل سعر الكيلو غرام الواحد منها إلى 10 آلاف ليرة حالياً كنتيجة لارتفاع أسعار المواد التي تدخل في تحضيرها، الشراء بات في الأغلب من المحال، فوضع التقنين الكهربائي حال دون تصنيعها منزلياً, وبكل الأحوال تبقى القدرة الشرائية هي الفيصل بالكميات التي تُشترى. ”

كثيرٌ من السيدات ونتيجة غلاء أسعار الحلويات المبيعة في الأسواق تستغل فترات وصل التيار الكهربائي لتحضير كميات بسيطة منها، كما أشارت السيدة شيماء العبوش في حديثها لـ«تشرين»: مع بدء ساعات تشغيل التيار الكهربائي عملت على تحضير ما أستطيع من حلويات ضيافة العيد لأقدمها لمن يزور منزلي من الأقارب والأصدقاء, أغلب السيدات يُحضّرن ” البيتفور” في المنزل، سعره في المحال يتراوح مابين 12 – 13 ألف ليرة, الناس تتدبر أمورها ضمن المستطاع ، فالقدرة الشرائية معدومة قبالة الأسعار الرائجة “, ويشير أحد أصحاب محال الحلويات إلى أنّ سعر كل نوع منها يجذب من يستطيع شراءه، فالمقتدرون يعملون على تشكيلة واسعة من ضيافة العيد تضم ” الكليجة ” ، فالكاتو ، و”البيتفور ” وسواها، وصولاً إلى العصائر، لكن أغلبية الأهالي تحول أوضاعهم المادية من دون ذلك، فيكتفون على الأغلب بـ«الكليجة», والكمية حسب استطاعتهم أيضاً .

الأضحيات حاضرة

كفرض ديني يلتزم أهالي دير الزور بذبح أضاحي العيد، لكن ذلك الآن ليس كما السابق، أي قُبيل الأحداث ، والتي أسهمت في تردي الأوضاع المعيشيّة وتدني القدرة الشرائية بشكل كبير ، الحقيقة أنّ ذلك الآن بات برسم من استطاع إليها سبيلاً كما يُشير صاحب محل قصابة: يتراوح سعر كبش الأغنام الكبير مابين مليون إلى مليون ونصف المليون ليرة سوريّة، من المزاد مباشرة يُباع بمليون ليرة ، فيما الخروف المتوسط مابين 400 ألف ليرة سورية وحتى 600 ألف ليرة, والملاحظ أنه عدا عن كون من يُضحي هم من المقتدرين ، لكن هناك من يرسل أموالاً من الخارج لشراء أضحيات وذبحها، ومن ثم توزيعها على الفقراء والمحتاجين ، كذلك هناك من جمع مالاً لهذا الغرض فيكتفي بذبح رأس واحد ضمن استطاعته لتحقيق التكليف الشرعي، بات ذبح الأغنام سواء من ( النعاج أو الكباش ) هو الأغلب في الأرياف والمدن، لكن ليس كما كان سابقاً، إذ اعتاد أهالي الأرياف ذبح الأبقار أو عجولها الكبيرة كأضاحٍ، ذلك لأن توزيعها يشمل الأقارب والمعارف ولكون المجتمع عشائرياً فإنّ اللجوء لهذا الأنواع يفي بتغطية أكبر عدد من الأسر، الآن من سيضحي سيذبح فقط من الأغنام, سواء الخراف المتوسطة الحجم، أو الكباش، وبالمجمل تقديم الأضحيات بات نادراً كنتيجة للظروف المعيشيّة الخانقة الآن”.

تبقى للعيد نكهته: يُطلقُ أهالي دير الزور على عيد الأضحى المبارك تسمية العيد الكبير، فيما الفطر يسمونه بالعيد الصغير يقول الباحث في التراث غسان الخفاجي لـ«تشرين»: للأعياد خصوصية في محافظتنا، ففيما الكبار من الرجال أو الشباب أو الصغار من الأطفال يقصدون المساجد لتأدية صلاة العيد ، تهرع النسوة لتنظيف المنزل وترتيبه لاستقبال المهنئين من أقارب وأصدقاء، فترى المنازل مُكتظة، وحركة الجيران لا تهدأ من الصباح وحتى المساء, وجرت العادة ولا تزال أن يكون بيت الجد أو الجدة هو حاضنة التهاني، يسمى لدينا بالبيت الكبير، يلتقي فيه الأخوة والأخوات ويقصده الجيران، فيما الأطفال ينتظرون أخذ مبالغ ماليّة ” العيدية “، وتُزار قبور الأموات للسلام عليهم وقراءة الفاتحة لأرواحهم، لاشك أنّ الزمن غير الكثير بعادات وتقاليد أبناء دير الزور في أعيادهم بحكم الأوضاع الصعبة معيشياً, غير أنهم لا يزالون يحرصون على كثيرٍ منها، فرغماً عن كل ما قد ينغصه تبقى للعيد نكهته “.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار