الاستثمارُ في الحروب..

الدكتور: سنان علي ديب:

التفرّد بقيادة العالم ليس بعقلية القائد المتميّز الحكيم المبادر المبدع، وإنما تكريس الهيمنة و الاستعباد والاستبداد عبر شرعنة وتحليل كل الوسائل من تدميرٍ وقتل بمختلف الأساليب ، أسلحة محظورة وفتاكة و جراثيم في المختبرات وتلويث البيئة و معاكسة الطبيعة ، والعمل على تدمير كل شيء خارج جغرافيتهم يعد بنظرهم استثماراً مستقبلياً و دفاعاً استباقياً و عرقلة منافسة أي آخر، وتالياً تدمير الآخرين هو نصرٌ وربح ، لهم الطغمة المالية الحاكمة والساعية نحو تثبيط الآخرين وفق رؤية واضحة : من الفوضى يخلق النظام، وأيّ حرب بين الآخرين مكسبٌ دائم، و المالتوسية الجديدة هي بوصلة لاستمرار رفاهية عبيدي في جغرافيتي المنضبطة بقوانين وضعية.

من المؤكد أن الحروب عبر سيرورة التاريخ غايتها النهائية مكاسب اقتصادية من غزوات الماء والكلأ إلى قبل قرون معدودة لم تسقط الأنسنة لهذا الوادي السحيق ، للأسف ممارسة أي شيء لخلق لا شيء يماهي فكرة الحياة والطبيعة و معارفنا الإنسانية جنون تجاوز الأفكار البشرية ومحاولة مخالفة منطق وأسس الحياة في تحدّ مع المنطق، التاريخ، الحقيقة، الإنسانية، مع الإيديولوجيات، مع الأديان ، مع الروحانيات وتماهٍ مع الشيطنة ، مع الشر وفق برامج موضوعية مبرمجة وفق بدائل وجداول زمنية تضلل بالماورائيات و الغيبيات ،غايتها للأسف إشعال الغرائزية و استلاب العقلانية والتفريغ المنظم للمجتمعات والأفراد و تثبيط أي مقاومة ومواجهة . للأسف ما نجده بداية الجنون غير الطبيعي وغير المنطقي وغير معروف النتائج ، صراع البقاء والنقاء وحصاد الزيف والتزييف ، مجتمعات الرفاهية إلى المجهول و شخوص نسيت العنف والقوة والعسكرة جرت وبالفرض لها عبر قادة تطورهم التاريخي مجهول و إراداتهم مسلوبة، و شعب قطيعي جاء ما بعد الحرب العالمية الثانية وتربعت الولايات المتحدة فوق الكرسي العالمي مناصفةً مع الروس وبعد مؤتمر يالطا و بدء تأسيس مؤسسات تأطيرية بصبغة عالمية سياسية واقتصادية و قتل أكثر من ٧٠ مليوناً و تدمير أكثر من ٧٠ في المئة من الاقتصاد الأوروبي و فرض خطة مارشال وتجاوز الصعوبات والبعد عن العسكرة والعودة الاقتصادية القوية لأوروبا وخاصة ألمانيا و الدول السبع، ومنها بريطانيا و إيطاليا وفرنسا وإسبانيا جاء الفرض الأمريكي لولوجهم حرباً بالوكالة و ليفرض نسبة تسليح مستمرة ولتعود العسكرة و للتمويه بفرض عقوبات اقتصادية على روسيا انعكست عليهم وخاصة ألمانيا التي أكثر من نصف طاقتها عبر روسيا ( غاز وفحم ونفط ) و بحاجة لأكثر من تريليونين للتحول للغاز المسال و إلغاء الاعتماد على الطاقة الروسية، وكذلك بريطانيا التي أفاضت في الدعم لأوكرانيا و الدعم الأمريكي، و بدأ فيضان التضخم الذي بدأ بالاشتعال بكوم القش الأوروبي، و تبدأ المعاناة، وعلى نفسها جنت براقش ، وسوق الأسلحة ينتعش، والأوروبي يرتعش، ولا جرأة لقطع الطريق باستثناء البعض، وكان مواطنو دول أوروبا الشرقية لم يفرغوا مثل الآخرين، ولم ينجروا لسياسة القطيع، ولكن اللاعب الأمريكي يجهز الجغرافيا لتموضعات أكبر وأشمل وأوسع، و لتطفو روائح حرب باردة جديدة، ولو بعد التسخين الذي سيكون على حساب القارة العجوز التي طالما لعب بها المستبد الأمريكي كيفما يشاء ، ويتساءل البعض: هل ما نراه قد وضعت حواجز لحجبه عما سمي قادة أوروبا وناتو أم رهاناتهم والتضليل الأمريكي قد فعل مفعوله ؟

اللوحة مأسوية و إعلان لسقوط الإنسانية و انتصار الفوضى المجهولة النتائج في عالم الاستثمار في الحروب لدحض فكرة الرأسمالية تقتل نفسها، وليكون التوحش الرأسمالي محصلة سيرورة الصراع العالمي الرأسمالي بين بعضه و صراعه مع العدالة الاجتماعية ومع الأنسنة.

الاستثمار هو تحقيق فوائض كمحصلة لأدوات الإنتاج و مزجها بالخبرة والمعرفة ضمن أطرٍ منظمة ومنضبطة، و على الأغلب كانت السيرورة التاريخية ضمن هذه الرؤى ، أما في الحروب الحديثة المتجددة، فالمجهول هو العنوان لا مكان للإيديولوجية .. حرب وصراع مع الأديان والمذاهب والأخلاقيات..لا للأنظمة الشمولية، لا للمساواة ولا للعدالة الاجتماعية لا لدول الرفاه..لا لانتصار الإنسانية..

ويبقى السؤال: ما الغاية أو الهدف من الاستثمار في حروب إخوة الأمس.. أصدقاء اليوم .. طلقاء الغد؟

في نظر الركيزة المالية العالمية أيّ تدمير ممنهج هو استثمارات لاحقة، وأي قطع تنموي هو وضع حواجز و عراقيل وتالياً هو سبق زمني وتفرد طويل المدى..

مقاومة مشروع شيطاني كهذا ممكنة، ولكن بتكاتف وتعاون جهود و تشكيل جبهات وخنادق متوافقة على برنامج تحصيني عالمي ، غايته أنسنة العالم ضد التوحش الرأسمالي و منظّري الفوضى والقتل بأي وسيلة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار