صورة دور الأم في الدراما السورية.. من منى واصف إلى ندين تحسين بك
بارعة جمعة:
ذكريات الطفولة بين أحضان الأم هي شريط من الصور واللقطات احتوتها الدراما السورية عبر أجيالٍ قدمت لها الكثير من النماذج لقضية فناء الأم أمام مصاعب الحياة والتضحية والعنفوان الممزوج برائحة الشهادة لأم الشهيد، فغدت ملامح الأمومة مختزلة ببعض الشخصيات التي رافقتها أحاسيس مرهفة وخجولة أحياناً للبعض، مازالت عالقة بذاكرة الجمهور الذي اختزن ضمن ذاكرته صوراً وشخصيات أنثوية ضمت كوكبة من ممثلات سوريات أثبتن وجودهن ضمن قوالب درامية صممت لهن أحياناً، في حين كانت لهن لمساتٍ خاصة في كل دور يجسدنه، وبكل تقنية وإبهار للحضور.
كما احتوت عدة حلقات منفصلة ضمن عشاريات وخماسيات تلفزيونية على قصص لنضال المرأة وكفاحها تجاه أبنائها، ضمن قالب الأم المعطاء المعروفة بحبها لعائلتها وتحمُّل وزر أفعال الزوج المتسلط في أحيان كثيرة، بتمثيل قدرتها الكبيرة على تقديم الغالي والنفيس بغياب المُعيل أيضاً، والذي بدا واضحاً في أعمال الفنانة جيانا عيد والفنانة ضحى الدبس، بتجسيد دور الأم المتحررة فكرياً واجتماعياً الواثقة بتربيتها، والتي هي بمنزلة بيت أسرار للعائلة، على خلاف عادات المجتمع الذي كان يحاصرها من كل اتجاه.
بينما للمفارقات فيما قدمته نماذج الدراما السورية من القوَّة والصلابة والقساوة تارةً والحنونة تارةً لدى الفنانة منى واصف تقودنا إلى إثبات المرأة بصورة عامة والأم بصورة خاصة قدرتها على قيادة أسرة ومجتمع بأكمله، من دون التخلي عن طبيعتها المكوَّنة من كتلة مشاعر وأحاسيس، حيث تكمن قوتها في مواجهة كل التحديات بقلب أمٍّ وشجاعة رجل.
قولبة الشخصية
وهنا لابدّ من الإشارة إلى أنه من الخلل في مكان ما الاحتفاظ بنمطية تقديم دور الأم لدى طرف على حساب طرف آخر، لقدرة الفنان على توظيف قدراته باتجاهات مختلفة وتطوير أدائه بما يتوافق مع الأنماط المقدمة لهذا الغرض، فاختصار معاني القوة والعنفوان بشخصية القديرة منى واصف تبرره قدراتها الشخصية والنفسية على أداء مثل هذا الدور، لكنه لا يمنع من توظيف هذه القدرات باتجاه آخر قد يبدو معاكساً لما اعتاد عليه الجمهور، إلّا أنها احتفظت بذاكرة جمهورها حتى اليوم بهذا النمط المتكرر.
ويبدو لك التركيز على مكامن الضغف في شخصية الأم المهزوزة وغير القادرة على مواجهة صعوبات المجتمع، والتي ذهبت بها إلى حيث استعطاف الجمهور لها والبحث لها عن حلول متعددة للخروج بأقل الخسائر، لتبقى رمز التضحية لجمهورها.
وأمام ما قدمته الدراما من صور وشخصيات كرمت بها الأم، نجد أنها أخذت حيِّزاً كبيراً ضمن الخط الدرامي لأي عمل، بعد إقناع جمهورها بمشكلاتها وهمومها التي كانت محور الكثير منها، لنجد الكثير من الفنانات جسدن دورهن الحقيقي للأمومة في الفن والواقع بآن معاً.