صَانِعُو الاِقتِصَادِ.. حُلُولٌ إِسعَافِيَّةٌ
هل ستصل إلى مستنقع الركود التضخمي؟.. سؤال عريض لواقع بدأت فصول سلبياته تتكشف لدى اقتصاديات الدول، جراء ما يعصف بها من أزمات تموج مخلّفة حالة غلاء وتضخم أكل كل شيء، غيّر الموازين والمعادلات، حتى فرض إيقاعاً على الشعوب لتقلص أعداد وجبات أكلها..
الاقتصاديات العالمية، آخذة بالترنح ما بين التراجع الاقتصادي لتناقص عوامل نموه، وما يسمى بالتضخم, وهذا شكل كابوساً وبات يهدد جلَّ الاقتصادات وحركة التجارة وانعكاساتها على معيشة البشر، توقعات تشير إلى قرب بعض الاقتصادات من مستوى الركود التضخمي، وفي حال بقيت أوزار الحرب الروسية- الأوكرانية، وفرض العالم الغربي قرارات الحظر الجائرة، واستمرار ارتفاع المستوى العام للأسعار والمستويات المرتفعة لأسعار النفط عالمياً, لا محالة غالبية الاقتصادات -ومنها اقتصادات منطقتنا العربية- ستقع في محظور الركود التضخمي، وعندها ستتعقد المشكلات ويصعب إيجاد أي حلول إسعافية لها، وهنا ملامسة الواقع مع الأخذ ببعض الخطوات من أجل تلافي أي منعكسات واردة الحدوث مستقبلاً..
والتساؤل هنا: ما المطلوب من الحكومات وصانعي القرارات..؟ هل من أدوات تعنى بالسياسة الاقتصادية لاستخدامها للدخول ولو في عمليات جراحية إسعافية أو احترازية لكي يتجنب الاقتصاد أي عواقب وخيمة؟.. ناهيك عن حالة التضخم التي ضربت مفاصل الاقتصاد وعرقلت مسيرة نموه..!
إن الخوض في مسائل السياسة المالية والإقراضية يبدو مناسباً عند بعض الحكومات، منها من رفع أسعار الفائدة، ومنها من نوّع وطرح سللاً مختلفة من قائمة قروض للاستثمار الشخصي والعام التشاركي، إلا أن حيزاً كبيراً من هذا الخيار لم يأت بأي نتيجة، وسيكون مصيره الترهل وعدم الفائدة لا على صعيد الفرد ولا على صعيد مؤسسة الإقراض، والسبب تضخم الواقع وضعف الدخول وعدم مواكبتها لما يحصل من تبدلات تسونامية متسارعة.. فالملطفات هنا واجبة الأخذ والمراعاة، وصورة تحتم على حكوماتنا أن تبدل سياستها المالية والضرائبية كل فترة، وعليها أيضاً -الحكومات- عاجلاً غير آجل رفع رواتب القطاع العام، وحث القطاع الخاص بجدية على اتخاذ الخطوة نفسها بنسبة لا تقل لذوي الدخل المتدني، وهذا يؤدي، ولو بحدود متدنية، إلى زيادة بالإنفاق العام ما يولد حالة إنتاج، وقد يمول هنا التضخم بزيادة قسم من الأجور التي ستولّد، وربما تعطي حالة إنتاجية وتستقطب وظائف أكثر..
تختلف المعالجات بين دولة وأخرى، لكن قاسمها المشترك، واقع سلبي على مواطنيها، ومع ارتفاع معدل التضخم، فدول تتجه لمعالجة التضخم بعمليات السوق المفتوحة التي تقوم من خلالها ببيع وشراء الأوراق المالية، وهو ما يؤدي إلى سحب السيولة الزائدة من السوق، ومن ثم انخفاض الطلب الكلي والتضخم، وأخرى من خلال الإنفاق الحكومي والضرائب، ففي حال ارتفاع معدل التضخم بإمكان الحكومات احتواء الضغوط التضخمية عن طريق زيادة حجم الضرائب، إذ إن زيادة الضرائب ستؤدي إلى اقتطاع جزء من دخل الأفراد وهذا ما ينعكس على انخفاض الطلب على السلع والخدمات فتنخفض الأسعار ويتراجع التضخم.. أبعدنا وإياكم عن الضرائب.. وهو ما أخذت بناصيته معظم الحكومات التي فضلت اتباع الأدوات التقليدية من دون الخوض بمسائل أكثر أريحية على مواطنيها، من خلال التوسع في رقعة الاستثمار وتسهيل كل قنواته، مع التنوع في فتح مسارب تمويلية بأسس مريحة علها تشجع على الاستثمار الشخصي، لا أن تبقى المصارف تتصيد وتستثمر في رقاب البشر، بدلاً من أن توسع محفظتها الاستثمارية بمشاريع عملاقة ترفد عجلة الإنتاج والنمو بمعززات أكثر قدرة لامتصاص أي حالة تضخم قد تحصل..!