لعنة الحرب تطول الأطفال.. وتشغيلهم انتهاك لحقوق الطفولة

ميليا اسبر

يقضي الطفل محمد ذو الاثني عشر عاماً أكثر من ثماني ساعات في ورشة تصليح سيارات في ريف دمشق مقابل أجر مادي لا بأس فيه حسب قوله محمد الذي لم يجتز الصف السادس الابتدائي ولم يكمل دراسته يجد نفسه مضطراً للعمل لمساعدة أسرته التي تعاني ظروفاً مادية سيئة بعد خسارة منزلهم في منطقة القدم واضطرارهم للاستئجار.
أمّا حسن الذي لم يتجاوز عمره الـ 14 عاماً بجسد نحيل هزيل فيعمل في معمل لتصنيع الفحم وبدوام ساعات طويلة، يقول: إنّ عمله مجهد ومتعب, لدرجة أنه يشعر في بعض الأحيان بضيق في التنفس نتيجة الروائح المنبعثة, حسن الذي يعيش ظروفاً عائلية استثنائية بعد وفاة والده خلال الحرب، لتقع كامل المسؤولية على الأم، لذلك لم يكن أمامها إلّا أن تستعين بولدها لتدبير أمورهم .
تلك نماذج من حالات كثيرة لأطفال عاشوا الحرب واضطرتهم الظروف السيئة الاجتماعية والمادية للتخلي عن طفولتهم واندماجهم بالعمل وتحمّل مسؤوليات تفوق أعمارهم, باختصار إنّها لعنة حرب قذرة كان أهم ضحاياها الأطفال، فقد انعكست تداعياتها عليهم اجتماعياً وتعليمياً وأخلاقياً أيضاً، فالطفل الذي لا يعيش في ظروف طبيعية بالتأكيد سوف يتشكل لديه في المستقبل الكثير من النواقص والمشكلات والفوضى, وربّما الانحراف .
وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل هي إحدى أهم الجهات الحكومية المعنية بهذا الملف، وتقع على عاتقها متابعة عمل الأطفال, وهذا جزء من مسؤولياتها تجاه الفرد والمجتمع معاً .
الحماية الاجتماعية والقانونية
يقول مدير العمل المركزي في الوزارة محمود دمراني: إنّ الهدف الرئيس الذي يسعى إليه المجتمع حماية الطفولة وتنشئتها النشأة الصحية من خلال توفير الحماية الاجتماعية والقانونية لها, سعياً لخلق مستقبل خالٍ من عمل الأطفال، مشيراً الفصول تكون قليلة، وتكون إمّا لأطفال تركوا مقاعد الدراسة بعد حصولهم على شهادة التعليم الأساسي أو لأطفال لم يكونوا قادرين على متابعة التعليم نتيجة عدم رغبة أو تكيف الطفل مع الدراسة، مضيفاً: في المجمل عمالة الأطفال في سورية قليلة نسبياً مقارنة بالدول المجاورة، حيث إنّ العمالة الموجودة فرضتها ظروف الحرب التي شنت على سورية وما تلاها من حصار اقتصادي جائر أثّر على المستوى المعيشي للأسرة السورية، منوهاً بأن عمالة الأطفال تزداد في مناطق الريف وبعض المناطق التي مازالت تحت سيطرة الإر*ها*بيين.
منع تشغيل الأطفال دون سن الـ15
نصت المادة 113 من قانون العمل رقم 17 لعام 2010 بمنع تشغيل الأحداث من الإناث والذكور قبل إتمام مرحلة التعليم الأساسي أو إتمام سن الخامسة عشرة من العمر أيهما أكبر، وتالياً فإن قيام صاحب العمل بتشغيل طفل خلاف المادة المذكورة تعد مخالفة تستوجب فرض غرامة بحق صاحب العمل المخالف, حسبما ذكره دمراني، وأنّ قانون العمل رقم 17 أجاز تشغيل الأطفال في مختلف مراحلهم العمرية وفق المادة 113 المذكورة في المهن والحرف التقليدية التي لا تؤثر على نموهم الجسدي أو النفسي أو العاطفي.
الأعمال المسموحة والممنوعة
ولفت دمراني إلى أنّ القانون المذكور أجاز للأطفال الذين أتموا السادسة عشرة من العمر العمل في مجالات : المؤسسات التجارية- الإدارية التي يؤدي العاملون فيها أعمالاً مكتبية ، وأيضاً بيع وتنسيق الزهور- مؤسسات علاج ورعاية المرضى والعجزة, كل هذه الأعمال أجازها شريطة ألّا تؤثر في نمو الطفل ولا تضر بصحته وأخلاقه، مضيفاً: إن قانون العمل نصّ على عدم جواز تشغيل الطفل قبل أن يقدم وليه أو الوصي عليه المستندات التالية: إخراج قيد مدني وذلك لمعرفة عمره الحقيقي، وأيضاً شهادة صحية صادرة عن طبيب مختص تثبت مقدرته الصحية على القيام بالعمل الموكل به , إضافة إلى موافقة الولي أو الوصي الخطية على العمل بالمنشأة.
بقرار وزاري

القرار الوزاري رقم 12 لعام 2010، نصّ على منع تشغيل الأطفال في العمل الليلي الذي يبدأ من الساعة السابعة مساءً وحتى الساعة السابعة صباحاً, إضافة إلى عدم تشغيل الطفل أكثر من ست ساعات يومياً, مع التأكيد على قيام صاحب العمل بتوفير أدوات الوقاية الشخصية والملائمة لطبيعة العمل والسن والتدريب على استخدامها والتأكد من التزامه باستخدامها، ولفت إلى أنّ القانون نصّ على عدد من الصناعات والأعمال والمهن التي لا يجوز تشغيل الطفل فيها قبل بلوغه سن الـ18 سنة، فهناك 24 عملاً, منها الأعمال التي تؤدى تحت الأرض وفي المناجم والكسّارات واستخراج الحجارة ونحت وقص الرخام وفي الأفران المعدة لصهر المواد المعدنية ومواد تصنيع مادة الرصاص والقصدير.

وذكّر مدير العمل المركزي بوجود صناعات تم منع تشغيل الأطفال بها, أهمها صناعة المفرقعات وصناعة الإسمنت -الإسفلت -الزجاج -البطاريات والكيماويات والكاوتشوك ، وكذلك صناعة التبغ والتنباك والمشروبات الكحولية والسكر والصابون والمبيدات الحشرية والسماد والدباغة، منوهاً كذلك بوجود مهن تم منع تشغيل الأطفال فيها, أهمها الحدادة واللحام بالأوكسجين- استخلاص الفضة من الرصاص- عجن مواد صناعة البطاريات- إصلاح البطاريات- استخلاص التوتياء- استخراج البترول- طبخ الدماء والعظام.
عقوبات
هناك عقوبات وإجراءات متخذة من قبل الوزارة تجاه من يقوم بتشغيل الأطفال, ففي حال مخالفة صاحب العمل لأحكام القانون والمتعلقة بتشغيل الأطفال ولاسيما المواد (113-114-115-116-117) فتفرض عقوبة غرامة بحق صاحب العمل, حسبما قاله دمراني، و في حال تشغيل الحدث أكثر من ست ساعات يومياً أو تشغيله ليلاً، وفي حال عدم التزام صاحب العمل بالمستندات المنصوص عليها لتشغيل الطفل فتفرض غرامة تصل إلى 50 ألف ليرة ، وكذلك الأمر في حال لم يمنح صاحب العمل للطفل الذي يعمل لديه إجازة سنوية مأجورة مدتها /30/ يوماً فيغرم بـــــــ /50/ ألف ليرة ، وقد بلغ عدد القرارات الصادرة بحق أصحاب العمل المخالفين والمتعلقة بتشغيل الأطفال خلال هذا العام /35/ قرار فرض غرامة.

تداعيات سلبية على الطفل
بدوره أستاذ علم الاجتماع في جامعة دمشق أحمد أصفر يقول في حديثه لـ” تشرين” : على الرغم من ضرورة التمييز بين الأطفال بحسب الخصوصيات النفسية والاجتماعية التي تميز كل طفل عن أقرانه ولكن بصورة عامة تظهر تداعيات سلبية على حياة الطفل الذي يندمج في سوق العمل بشكل مبكر، تتمثل في حرمانه من حق أساسي من حقوقه وهو التعليم، هذا الحق الذي يؤهله ليؤدي دوراً متميزاً في الحياة الاجتماعية, وتالياً من المتوقع أن يفتقر الطفل الذي لم يتمكن من متابعة تعليمه بسبب انخراطه في العمل بشكل مبكر إلى مهارات وقدرات واسعة يكتسبها من تمكن من متابعة التعليم من أقرانه، لافتاً إلى أنه على مستوى المجتمع فمن الطبيعي أن ارتفاع عدد الأبناء الذين لم يتمكنوا من متابعة التعليم يشكل عقبة أساسية من العقبات التي تحول دون تطوير الموارد البشرية في المجتمع , حيث تجعلها غير مؤهلة للبناء والتنمية مستقبلاً .

فروق بين الأطفال
تظهر أهم الفروق بين الأطفال الذين تابعوا تحصيلهم العلمي حتى تجاوزوا الخامسة عشرة من عمرهم وبين أقرانهم الذين اندمجوا في حياة العمل على مستويين, يكمن الأوّل في المهارات المعرفية التي اكتسبها الطفل المتابع لدراسته ، بينما يلاحظ أن الطفل الذي اندمج بحياة العمل بصورة مبكرة يفتقر إلى هذه المهارات والمعارف وليس من اليسير أن يكتسبها فيما بعد، وعلى مستوى آخر يمكن أن يكتسب الطفل الذي اندمج في بيئة العمل قبل نضوجه النفسي والاجتماعي جملة من العادات والتقاليد والقيم والاتجاهات السلبية التي ترافقه فيما بعد ويصعب عليه التخلي عنها حسبما قاله د. أصفر .
وأضاف: ترتبط تداعيات عمل الطفل بالمهن المتعبة وتستوجب جهداً باعتبارات عديدة, منها ما يتعلق بالبنية النفسية والعضوية للطفل، ومنها ما يتعلق بطبيعة المهنة نفسها ودرجة الصعوبة فيها، ومنها ما يتعلق بالشروط الاجتماعية المحيطة بعمل الطفل نفسه، مؤكداً أنّه في كل حالة من الحالات الثلاث توجد مشكلات مختلفة عن بعضها بعضاً وأصعبها عندما تكون بنية الطفل ضعيفة وتكون المهنة صعبة وتستوجب جهداً كبيراً ، كاشفاً أنّ اندماج الطفل بحياة العمل في ظروف قاسية وبيئات اجتماعية غير مناسبة يكسبه أنماطاً سلوكية غير سليمة أيضاً, قد تدفعه إلى الانحراف الاجتماعي في كثير من الأحيان .

وختم الأصفر بالقول: من الضروري الوقوف عند هذه الظاهرة، تحليل أسبابها في كل بيئة اجتماعية أنتجتها، وبعد ذلك تأتي مسؤولية الجهات المعنية بالحل، وفي مقدمتها وزارات: التربية ، الشؤون الاجتماعية والعمل ، الداخلية وغيرها من الوزارات، لأنّ الحل لا يمكن أن يكون اعتباطياً ولا يرتبط بهذه الجهة أو تلك وحسب، بل تستوجب الضرورة تكامل الجهود بين الجهات المختلفة .

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار