الروايةُ بين النص المكتوب والعمل البصري
ميسون شباني
شكلّت الأعمال الأدبية والروائية مادةً غنية وثرية لصّناع الدراما، وأثارت شهوتهم لإنتاجها كعمل فني فكانت مجالاً خصباً لإبداعهم، فأفادوا منها وأضافوا إليها في تكامل أشاد الجمهور بروعته وانسجامه، وشهدت الأعمال الدرامية مخاضاً لولادة الروايات كعمل فني بصري أعاد الكثير من متابعي الدراما إلى عوالم الورق وقراءة النص الأدبي والروائي والاطلاع على حكايته السردية ومقاربة الشكل البصري بعوالم الحبر والكلمات، الأمر الذي يقودنا للعديد من التساؤلات.. هل معظم الروايات تصلح أن تتحول إلى عمل درامي، وهل تحويل الأعمال السردية والروائية يثري المكتبة التلفزيونية؟
فهم خصوصية الدراما
بشأن موضوع الرواية وهل تساعد في التنويع بالدراما ولاسيما على صعيد توفر النص الراقي؟ يجيب الكاتب والسيناريست حسن م. يوسف بأن سورية تمتلك كنزاً حقيقياً من الأعمال القصصية والروائية الصالحة لأن تحوّل إلى أعمال درامية في السينما والتلفزيون، ومن شأن هذه الأعمال الأدبية أن تغني الحياة الثقافية والفنية في سورية والوطن العربي فيما لو تمّ تحويلها إلى سيناريوهات سينمائية وتلفزيونية.. وبشأن الرواية عندما تكون أساساً للعمل الفني؛ هل ترتقي بالعمل الدرامي؟ يرى يوسف أن الكثير من الأعمال الدرامية كان أساس نجاحها النص الروائي، فالبعض لم ينجح في نقل الرواية إلى الدراما لأن النص الروائي بغض النظر عن مستواه الإبداعي لا يشكّل ضمانة ولا أساساً للنجاح فأساس النجاح هو أن نفهم خصوصية الدراما وأن ندرك الفرق الجوهري بين طبيعة السرد الأدبي والسرد المرئي، لأن الأعمال الأدبية الذهنية قد يكون من الصعب تحويلها إلى دراما، لكن على كاتب السيناريو الناجح أن يقوم بتفكيك العمل الأدبي إلى عناصره الأولية، وإن لم يفعل ذلك فسيفشل في نقل النص الإبداعي من لغة الأدب المقروءة والمتخيلة إلى لغة السيناريو المرئية والمسموعة والمتحركة..
ونذكر أنه سبق أن قدم السيناريست حسن م. يوسف أول مأثرة فنية درامية شكلّت حينها انعطافة مهمة في تاريخ الدراما السورية عبر مسلسل (نهاية رجل شجاع) المأخوذ عن رواية تحمل الاسم ذاته للكاتب الروائي الراحل حنا مينه، واستطاع بإبداع محترف نقل الحكاية السردية إلى سيناريو محكم ومتين، مضيفاً بعض الشخوص إليه من دون المساس بروح الرواية الأصلية.
الرواية من وجهة نظر الآخرين
من جهته، أشار الكاتب والسيناريست أسامة كوكش أن الاستناد إلى الرواية في كتابة نص درامي تلفزيوني هو ورشة عمل تتألف من شخصين كاتب الرواية وكاتب السيناريو، وهذه الطريقة في الكتابة قد تكون عامل نجاح كبير للسيناريو وللمشروع الدرامي بأكمله، ولفت كوكش إلى أنها عملية قد تكون موفقة إذا كانت بنية الرواية وطبيعتها قابلتين للتحويل إلى نص أو سيناريو تلفزيوني، ونوّه بأن هناك الكثير من الروايات الجميلة على الورق لكن من غير الممكن تحويلها إلى سيناريو تلفزيوني لأسباب عدة منها السرديات المطولة التي لا يمكن نقلها إلى الشاشة، لأن عملية نقلها إلى الشاشة قد تتطلب إطالات غير مسوّغة، فالعمل التلفزيوني يقوم على أحداث متسارعة متراكمة قد لا تتوافر فيه جمالية الرواية وروحها، لذلك عندما نقول سنحول رواية إلى عمل تلفزيوني؛ يفترض أن تكون هذه الرواية قابلة للتحويل، فقد لا يكون العمل الفني بأهمية الرواية، والأمثلة كثيرة فمثلاً رواية “بيت الأرواح” لإيزابيل الليندي تمّ تحويلها إلى سيناريو سينمائي من بطولة النجمة ميريل ستريب، لم يكن أبداً بحجم الرواية وأيضاً “الحب في زمن الكوليرا” لغابرييل غارسيا ماركيز تم تحويلها لفيلم سينمائي لم يضاه جمالية الرواية، وهناك رواية “العطر” لزوسكيند لم ترقَ إلى حجم الرواية، ومن السينما العربية تم تحويل الكثير من روايات المبدع نجيب محفوظ إلى أفلام ومسلسلات ولكن بقي ما كتبه محفوظ هو الأهم في النهاية، ولفت كوكش إلى أن كل هذا الكلام لا يمنع من التجارب والاستمرار في تقديم الرواية لعمل سينمائي أو تلفزيوني، وأضاف: إذا تساءلنا لماذا لا يمكن أن يتحقق هذا النجاح؟ فذلك لأننا عندما نقرأ الرواية نتخيل فيلمنا الخاص عبر مخيلتنا ونتخيل الشخوص بأشكالها وأفعالها وردود أفعالها، وعندما نراها من وجهة نظر الآخرين الذين هم صنّاع المشروع الدرامي أو السينمائي فسيكون الأمر شيئاً مختلفاً تماماً، وهو أحد أسباب عدم وصولها إلى مستوى الرواية، أي رؤيتها من وجهة نظر الآخرين.. نحن نرى الرواية من وجهة نظر الآخرين لا من وجهة نظرنا كما قرأناها وتخيلناها.