رود أبو عابد صوت غنائي من شهباء الأصالة
بارعة جمعة:
ألحانٌ وأنغامٌ بكلمات عميقة، تجوبُ بك العالم باتجاهاته كافة، تحملك إلى حيث لا ينتهي الزمن، الذي يتجدد دائماً في كل لقاء مع الطرب الأصيل وحب الغناء والعزف المتمثلين بقوَّة الثبات والإصرار على الاستمرار لدى رود أبو عابد، آخذة بك إلى عوالم أخرى لم تكن بالحسبان، وفق توليفةٍ مذهلةٍ من الأداء العالي والإحساس المرهف، المترافق بمهارة التنقل بين نمطٍ وآخر، بينها القديم والمتجدد، وصولاً إلى حيث لا مكان للاعتذار أمام تراث مدينة “حلب”، الزاخر بالقدود التي جالت بها “رود” مسارح ومراكز الوطن، برسالة الحب والأمل بغدٍ أفضل، حملت معها التميُّز والإبداع الكامنان بين ثنايا كلمات وألحان جديدة، تسرق قلوب المتابعين، وتجعل لهم في كل مرَّة موعداً مع الطرب.
موعد جديد
بإطلالةٍ ساحرةٍ وحضورٍ مميز، اعتلت الفنانة الشابَّة “رود أبو عابد” خشبة مسرح المركز الثقافي في “أبو رمانة”، ضمن أمسية موسيقيَّة برعاية من وزيرة الثقافة، حاملةً معها عبق الياسمين المتأصل بتراث دمشق، ورونق وحضارة مدينة “حلب”، الحاضرة ضمن باقة من الأعمال الفنية قدمتها الفنانة.
فليس غريباً على “رود” تقديم مثل هذه الألوان التي نشأت وترعرعت على سماعها منذ نعومة أظفارها، متعشقةً لحن “عبد الوهاب” وأغاني “أم كلثوم وفريد الأطرش”، فغدت المطربة الأصيلة برخامة وثبات صوتها، الذي ملأ أرجاء المكان بأجواءٍ من الفرح والحب، أعادت جمهور أبو رمانة لزمن الكلمة واللحن الجميلين.
ما وصلت إليه اليوم “رود” هو نتاج مراحل من العمل ضمَّت مشاركات عدة في مرحلة الطفولة والمدرسة، سجلت من خلالها علامة مميزة فيما قدمته في مراكز ثقافية عدة، بأسلوب ونوعية مختلفة في كل مرة، بما يتناسب مع جمهور الحفل وذائقته المتطورة عبر الزمن، فكانت رمزاً من الرموز الشابة المحافظة على محبة جمهورها، الذي مازال يلاحقها في مواعيد وأزمنة مختلفة .
مشروع عمل
لعلَّ أكثر ما يجول في خاطر “رود” هو ما ينبغي فعله في المستقبل، والذي يعد هاجس والدتها بالمرتبة الأولى، التي كانت السبَّاقة في دعم ابنتها منذ بداياتها، باكتشاف موهبتها وتطويرها وتدعيمها بأدوات مختلفة وإخضاعها للتدريب على العزف والغناء ضمن معهد موسيقي، ولأن حضور الفنان بين جمهوره يحتاج جرأة وثقة كبيرتين، حرصت والدة الفنانة “رود” على إظهارها عبر المسرح بمسابقات عدَّة، نالت الريادة والجوائز عبرها، والتي كانت قدود حلب سفيرها الأول فيها.
واليوم أمام كل هذه الركائز القوية التي أسست لمستقبل “رود”، غدت والدتها المثل الأعلى لها ضمن عائلتها، فيما عبّرت عن إعجابها أيضاً بكل شخص ناجح وفي أي ميدان كان، واصفة إياه بالقدوة لها، والسبب لاستمرارها رغم الظروف والعقبات، التي لا تزال تواجهها منذ انطلاقتها الأولى وحتى اليوم.
الحكم الفني
وأمام ما قدمته وتقدمه “رود” تبقى ذائقة الجمهور الفنية هي البوصلة لها، والتي تسعى من خلالها إلى تحقيق التوازن الفني ضمن مشروعها الخاص القائم على عدة أغانٍ باللهجة المصرية إلى جانب السورية، وذلك انطلاقاً من حبها لألحان الملحن الكبير الراحل “محمد عبد الوهاب”، فيما يبقى لكل مكان جوٌّ وأغانٍ خاصة به برأي “رود”، والذي يحدده الجمهور، إلّا أن للقدرة على الخلط بين اللحن المصري والشرقي دوره الأكبر للتوفيق بين أذواق الجيلين القديم والحديث، متجهة في الوقت نفسه لانتقاء الأغاني الحديثة الهادئة بكلمة ولحن مميزين.
وما يجعل “رود” أكثر ثباتاً في اختياراتها هو تفاعل الجمهور مع كل ما تقدمه، والذي يعمل على تقوية الفنان وصناعة اسمه برأيها، ما يُحمِّل الفنان أيضاً مسؤولية اختيار الأعمال التي تتناسب مع جمهوره الذي أصبح معروفاً بكل أطيافه بالنسبة لـ”رود”، مع الاحتفاظ بشخصيتها في كل أغنية والبعد عن التقليد غير الهادف.
وفي النظر للاقتراحات المقدمة للفنانة “رود” ضمن ألبومها الجديد، أبدت تقبلها للأذواق كلها، ومن ثم اعتماد ذوقها الخاص القائم على سماع اللحن والكلمات، باعتبار أن العبارات الثقيلة لم تعد مرغوبة لأحد، بناءً على معرفة جمهورها، ومن ثم اعتماد الأغنية التي من الواجب أن ترضي نفسها وجمهورها بآن معاً.
فالمطرب اليوم لم يعد قادراً على التوفيق بين رغباته وشروط العمل المقدمة من شركات الانتاج برأي والدة “رود”، كما أن التطور يتطلب حرية للفن والفنانين، عكس الاحتكار الذي بات شائعاً لدى هذه الشركات، وهنا تقع المسؤولية على عاتق الجهات المحلية لدعم الفنان، وتوجهت الفنانة “رود أبو عابد” لكل من لديه حب المغامرة والشغف بشيء إلى الإصرار على الهدف، من دون إهمال جوانب أخرى كالتمرين وتطوير الموهبة وعدم الاستسلام، لأن الاستمرارية أساس النجاح.