لماذا تتحول وفرة الإنتاج الزراعي إلى “لعنة”!!

عمار الصبح

عرفت محافظة درعا بإنتاج متميز من الخضار والفواكه، ولكن كغيرها من المنتجات الزراعية في هذا البلد تعاني التكاليف المرتفعة، وغياب سياسات التسويق التي تتصدى لمشاكل المنتجين مع التسويق في إنتاج يفيض عن حاجة السوق المحلية، وصعوبات في انسيابية الوصول للأسواق الخارجية أو التصنيع.في هذا الموضوع عرض للكثير من مشاكل الإنتاج الزراعي في محافظة درعا.
البندورة وأخواتها …انتكاسة أسعار وشبح كساد.
لم يكن الانخفاض الأخير الذي سجلته أسعار البندورة في أسواق محافظة درعا التي انخفضت إلى ما دون الـ500 ليرة في مناطق زراعته، لتمر من دون أن تلقي بظلال كئيبة على مزارعي هذا المحصول إلى حدٍّ بات يهددهم فيه بالخسارة خصوصاً مع قرب وصول الإنتاج إلى ذروته وما قد تشهده الأسعار من انتكاسات جديدة أخرى.
ولعلّ ما يقال عن البندورة ينطبق على محاصيل الخضار الأخرى فما حدث لمحصول الثوم بالأمس من انتكاسة أسعار، يمكن أن يحدث لبقية محاصيل، لا تزال رهينة العرض والطلب والتي غالباً ما يتحمل المزارع وزرها، فيما يقطف التجار ثمارها.
بالأرقام
تتحدث أرقام الإنتاج عن غلة وفيرة من محاصيل الخضار الصيفية المنتجة في المحافظة، وهي غلة تفيض عن حاجة الأسواق، خصوصاً إذا ما أخذنا في الحسبان دخول محافظات أخرى على خط الإنتاج في مثل هذا الوقت من العام..
البداية من محصول البندورة الذي يتصدر قائمة المحاصيل الصيفية في المحافظة، فحسب تقديرات مديرية الزراعة في درعا بلغت المساحة المخططة لزراعة المحصول خلال الموسم الحالي 2052 هكتاراً، فيما وصلت المساحات المزروعة فعلاً إلى 3020 هكتاراً، وتصل مردودية الهكتار الواحد إلى نحو 120 طناً، ما يعني إنتاجاً قد يصل نصف مليون طن من البندورة..
إنتاج وفير
انتقالاً إلى المحصول الثاني على القائمة، تشير الأرقام إلى تجاوز المساحات المزروعة بالبطاطا لتصل إلى 2000 هكتار وإنتاج متوقع يفوق 65 ألف طن، فيما من المتوقع أن يكون إنتاج المحافظة من محصول الخيار 7500 طن للموسم الحالي.
أما إنتاج المحافظة من محصول الباذنجان فمن المتوقع أن يصل إلى 28 ألف طن، على مساحة تقدر بـ 370 هكتاراً، والكوسا 6 آلاف طن والمساحة المزروعة بلغت 200 هكتار بينما الفليفلة 11250 طناً على مساحة مزروعة بلغت 250 هكتاراً.
وقدرت مديرية الزراعة إنتاج المحافظة من البطيخ الأحمر للموسم الحالي بأكثر من 42 ألف طن بمساحة مزروعة بلغت 698 هكتاراً.
انتكاسة الأسعار
أرقام الإنتاج المتوقعة تشير إلى غلة وفيرة وخصوصاً لمحصول البندورة الذي يفيض إنتاجه عن حاجة المحافظة وحتى المحافظات الأخرى، ما جعل المحصول كغيره من المحاصيل الأخرى رهناً بقاعدة العرض والطلب..
وحسب قول عدد من المزارعين في منطقة “الصنمين” فإن الأسواق متخمة بالبندورة والبطاطا والخيار وغيرها من الخضار، وهناك فائض في العرض مقابل الطلب، ما أدى لتراجع حاد في الأسعار إلى ما دون سعر التكلفة، وهي مرشحة للانخفاض أكثر في قادم الأيام مع وصول الإنتاج إلى الذروة، فقد سجلت أسعار البندورة هبوطاً كبيراً في الأسعار وصل إلى أقل من 500 ليرة للكيلو فيما كانت تباع قبل فترة وجيزة بأكثر من 3000 ليرة.
وأوضح مزارعون أن الحديث عن ارتفاع التكاليف لم يعد مقتصراً فقط على أسعار المازوت والأسمدة والمبيدات التي يجري شراء أغلبها بأسعار السوق السوداء، فهذه – حسب قولهم- أحاديث قد ملّ مزارعو الخضار تكرارها من دون جدوى، بل إن ما بات يقلقهم أكثر متغيرات جديدة طرأت كأجور النقل المرتفعة التي باتت تقصم الظهر، فأجرة السيارة الشاحنة إلى سوق الهال في دمشق تتجاوز 200 ألف ليرة ويضاف إليها أجور التحميل والتنزيل ودفع العمولات على عمليات البيع، وهذا كله يضاف إلى فاتورة الخسائر..
ظلم وكارثي
أحد مزارعي البندورة في بلدة “القنية” يصف الوضع بالكارثي، فما تعرض له مزارعو الثوم قبل فترة من خسائر، مرشح لأن يحدث مع بقية مزارعي الخضار في المحافظة وخصوصاً مزارعي البندورة، إذا لم يتم تدارك الوضع، وإيجاد حلول لمشكلة الفائض في الإنتاج الذي يزيد على حاجة الاستهلاك لافتاً إلى أن السوق هو المتحكم بالسعر وليس المزارع الذي يضطر في أغلب الأحيان إلى توريد إنتاجه مهما كان السعر زهيداً منعاً من تعرض منتجه للكساد..
وأعرب المزارع عن أمله في إيجاد منافذ لتصدير فائض الإنتاج من الخضار للحفاظ على أسعار مجزية ولو بالحد الأدنى، وكذلك زيادة تدخل “السورية للتجارة” وتعميم تجربتها التي بدأت بها مؤخراً في منطقة “نوى” وقيامها باستجرار الخضار بأسعار مقبولة من حقول المزارعين وبيعها في صالاتها في دمشق ما يوفر على المزارعين أجور النقل وثمن العبوات وتجاوز حلقات الوساطة..
بحاجة للدعم

الأسعار التي وصلت إليها الخضار مؤخراً تميل كفتها لصالح المستهلك، ولكنها في المقابل غير مجزية وليست منصفة للمزارع، ما يجعل من الضرورة بمكان البحث عن حلول، وفي هذا السياق يطالب رئيس غرفة زراعة درعا المهندس جمال المسالمة في حديثه لـ”تشرين” بالتفاتة حكومية نحو مزارعي الخضار عموماً والبندورة خصوصاً في المحافظة، واتخاذ الإجراءات المناسبة التي تؤمن لهم نسب ربح هامشية وتوفر لهم مستوى معيشياً مناسباً وقاعدة أساسية للاستمرار في زراعة هذا المحصول الهام، لافتاً إلى أن خطة تسويق البندورة مثلاً يجب أن تعتمد على ثلاث قنوات لتصريف المنتج، بحيث يطرح ثلثه في الأسواق للاستهلاك المباشر، والثاني والثالث للتصدير، فيما من المفترض أن يذهب الثلث الأخير للتصنيع عبر معامل الكونسروة.
لكن ما يحدث – حسب المسالمة- أنه ومع تباطؤ العمل في قناتي التصدير والتصنيع، فإن أغلب الإنتاج يجري طرحه في الأسواق، ما يتسبب في حدوث فائض في العرض، والسبب إن معامل الكونسروة الموجودة لا تستطيع استيعاب سوى قسم بسيط من الإنتاج، وكثيراً ما ينتظر أصحاب هذه المعامل إلى حين تدني الأسعار إلى مستويات قياسية وعندها يتدخلون لشراء البندورة بسعر زهيد ما يعرِّض المزارعين للابتزاز نتيجة اضطرارهم لبيع الإنتاج وتصريفه ولو بأسعار متدنية خوفاً من كساده، الأمر الذي يحتم إلزام هذه المعامل بسياسة تسعيرية محددة ومنصفة للمزارع مقابل ما تحصل عليه من دعم بكميات أكبر من المحروقات..
ماذا عن التصدير؟
يشير المسالمة إلى منغصات تعترض تصدير المنتج الزراعي، وأبرزها الإجراءات التي يتم اتخاذها بين الحين والآخر، ومنها القرار الذي أصدرته وزارة الزراعة مؤخراً والذي ينص على سحب عينات من إرساليات البندورة والفليفلة المصدرة إلى دول الخليج من مراكز الفرز والتوضيب وإرسالها إلى المخبر المختص لإجراء التحاليل، مبيناً أن هذا القرار سيؤدي إلى تأخير في عملية التصدير وزيادة الوقت الذي تقضيه البرادات المحملة في الانتظار والذي قد يستغرق أياماً، ما يزيد من احتمالية تلف المنتج، خصوصاً أنه معرّض للتأخير أيضاً في الأراضي الأردنية، وبالتالي هناك احتمالية لرفضه في الدول المصدر إليها..
ويرى مدير غرفة الزراعة أنه كان الأجدى إجراء تقييم مسبق لمناطق الإنتاج في المحافظة تثبت خلو المنتجات من أي أثر للمبيدات أو الفيروسات وغيرها، بدل القيام بفحص المنتجات في كل براد يراد تصديره!!.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار