مشهد الأوراق المكشوفة

من دون شك، إنَّ أحادية الثقافة.. التي طُرحت في ظلِّ عناوينَ سابقةٍ، قد سقطت بسقوط تلك العناوين، هذا فضحَ عُريَ نُخبٍ أثمرت ترويجها البائس لمشاريعَ افتقدت مشروعيتها، أسماءٌ كبيرةٌ مكرَّسة، خاصّة في الشعر، لم تكن إلّا ذلك الصّدى المُمتلِكِ لكلِّ عواملِ التلاشي، عدا استثناءاتٍ قليلة.. الفكرة تحتمل بحثاً واسعاً عن أسبابٍ لا تبدأ باجترارِ الماضي كما هو، ولا تنتهي باجتلاب تجاربَ، لم تجدَ أرضاً لها.

حالياً ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، بدأنا نتلمّسُ بدايات انعتاق من الأحادية والتقليد، انعتاقٌ ولّادٌ ومبدع، أخرجَ إلى السطح ما كانَ مخبَّأً، طاقاتٌ تذكّرنا أنَّ هذا الشّرقَ كانَ موئل الحضاراتِ الأوّل.. ساهمت بذلك حريّةٌ افتراضيّة، أمّنها فضاءٌ افتراضي.. لكنّهما أرخيا ظلالهما على المشهد الثقافي وعلى الحالةِ الشعريّة.

بالتأكيد لا يمكن القول إنّ وسائل التواصل اليوم ستكون حاملاً أميناً لنهضة الشعر، فثمّة الكثيرون ممّن غبروا، لن يعدموا وسائل الدفاع عن غابرهم، هذا عدا عن كونها بيدراً متاحاً يسمح لقليلي الثقافة بطرح بضاعتهم، صفحات الفيسبوك مثالٌ ازداد جماهيريةً لأسبابٍ منها قلّة المنابر التقليدية.

اليوم نجد شعراء في وسائل التواصل ممن لا يجيدون اللغة ولا يعرفون الكثير عن الثقافة، ونسمع بالألقاب التي تغطّي الجانبَ “الحداثويَّ” من سياسات تكريس التفاهة، أوضح مثال على ذلك ما تقوم به مؤسّساتٌ تموّلها جهاتٌ قد لا تعرف الكثير من الشعر، لكنّها تمنح الجوائز.. من جانبٍ آخر فإنّ هذه الوسائل قد سلّطت الضوء على إبداعاتٍ لم تكن مُتاحةً، وعلى أقلامٍ واعدةٍ.. تستحقّ الرعايةَ والتشجيع، بنفسِ القَدْرِ الذي عرّت الكثيرين ممّن كانوا يحتكرون المشهد الشعري، وأبرزت ضآلتهم.

هل يمكن القول.. إنّ بعضاً ممّن كانوا يلعبون أدوار النُّخبِ الثقافية، قد سقطوا، أو أفلسوا على أقلّ تقدير.. الحقيقة إنّ الأوراقَ باتت متكشِّفةً أكثر من أي وقتٍ مضى، خاصّةً مع بزوغِ أسماءَ وإبداعاتٍ بفضل هذه الفسحةِ المسمّاة “وسائل الاتصال الاجتماعي”، ولأنّ مساحةَ الإعلانِ عن تلكم الأسماء الإبداعية، بمعنى الاعتراف بها لا توفرها مواقع التواصل.. يتعلّق الأمر باختلاط دورها مع الإعلان بمعناه التجاري، أو غير ذلك من الأسباب، لذلك فإنّ دور المؤسّسةِ الراعيةِ، بعيداً عن أي أدلجةٍ مفلسة، ينهضُ من جديد.. عند هذه النقطةِ.. أختم بضرورةِ إحياءِ المنابر، واستعادة دور المؤسسات، بعيداً عن أيِّ ارتهانٍ، ولو بحسنِ نيّةٍ لأيِّ جهة.

هامش:

تأتينَ دائماً

بعد ليلٍ طويل،

كمن أشعلَ الضوء فجأةً،

أو كتمامِ

هذا الصباح..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار