بين الإذاعة والدوبلاج ..  مازن لطفي: قوَّة الأداء نابعة من عمق التجربة وتقمص الشخصيات

حوار: بارعة جمعة

قدرته على إتقان العمل الإذاعي ومهارته في التعامل مع الشخصيات وتكييفها بما يتناسب مع الحالة، مهدت له الطريق لدخول عوالم جديدة في مراحل مبكِّرة من عمره، كما لاعتماد الأفلام السينمائية القادمة من لبنان بإشراف “نقولا أبو سمح” على شخصيات لم يكن بوسعها إتمام العمل دوره الأكبر في دخوله تجربة “الدوبلاج”، فكان مازن لطفي الممثل والمخرج بآن معاً، حاصداً جوائز ذهبية على مستوى الوطن العربي.

رحلة العمل

يبدو لك الأمر مجرَّد مشهد درامي يُلقيه ممثل باستخدام أدوات معينة، فيما للحقيقة وجه آخر لا يمكن لأحد معرفتها، إلا ممن مارس وأتقن هذا الفن الذي حمل معه الكثير من التشويق والإثارة بأعمال كرتونية كانت شركة “سبيستون” السبَّاقة في تقديمها وتعريفها بأسماء عدَّة أصبحت رمزاً من رموز الطفولة أمثال: “يحيى الكفري، فاطمة سعد، علي القاسم” وغيرهم الكثير، ممن التزموا بهذا العمل و أسسوا حياتهم من خلال امتلاك قدرات خاصة اقترنت به.

إلا أن الأمر لم يقف عند برامج الأطفال، بل امتد ليلحق بركب الأعمال الدرامية التي حملت هوية بلدان عدة على اختلاف ثقافاتها، فكان للفنان لطفي دوره في اقتناص الفرص ولعب الأدوار ضمن شخصيات الدوبلاج على اختلاف أنواعها.

كما أن لامتلاكه مهارات وقدرات التقاط السمع والنطق الصحيح والرؤية الجيِّدة، الدور الأكبر في نجاحه بعمل الدوبلاج لقدرته على لبس الدور وشحن أدواته التي ستُطبَّق على الشخصية عبر التعايش معها بكل حالاتها وتقلباتها بين الضحك والبكاء، لنجد ممثل الدوبلاج حسب تجربة لطفي يمتلك ست حواس بدل الخمس.

متطلبات الشخصية

ويبقى لقدرة الممثل على استبدال جملة بأخرى أو اختصار المعنى بما يتناسب مع طبيعة وبيئة العمل الميزة الأساسية في تقديمه للدور، بحيث تتطابق حركة شفاه الممثل مع الشخصية الأصلية ضمن تقنية (الليبسينغ) حسب توصيف لطفي، هذه الخطوة واحدة من عدة خطوات يمر بها نص الدوبلاج بعد ترجمته وإعداده باللغة العربية، ليأتي الممثل فيما بعد مُكمِّلا له، من خلال إضافة رؤيته للمشهد والتقاط الحالة الخاصة بكل مشهد.

ويبقى لسرعة البديهة والفهم الصحيح للمهنة الدور الأهم في صحَّة ربط المشاهد ببعضها، بما يتوازن مع الإحساس والحالة بينها برأيه، والذي أظهر احترافية الممثل السوري القادر على تقليد الأدوار التي أُسنِدت إليه من الشركة، بعد مقاربتها له من حيث خامة الصوت بشكل رئيسي.

وعند هذا النقطة يستوقفنا مدى قدرة الممثلين الجُدد على أداء هذا الفن المميز، لنجد أن الإقدام على العمل به من ممثل يفتقد التدريب وممارسة العمل الإذاعي في الدرجة الأولى، يحكم على عمل الدوبلاج بالفشل برأي لطفي، لاعتماد هذا الفن على الإحساس وإتقان اللغة والنطق المترافقين مع الإذاعة أولاً، واعتياده على العمل ضمن جو معين لخلق الشخصية وتقمُّصها من الممثل، ومن ثم إقناع المستمع بالحالة بشكل أفضل.

مجهود مضاعف

وأمام هذه المراحل والشروط التي يمر بها العمل الدرامي المُقدَّم للدوبلاج، نجد أن ما يقع على عاتق الممثل هو أضعاف مضاعفة من المجهود المرهون لغيره من الأعمال الفنية الأخرى، والذي يقود لإلغاء شخصية الممثل الأصلية وانتقاله إلى شخصية أخرى عبر مرحلتين، ومن ثم تجسيد صور منوَّعة.

وفي النظر إلى طبيعة الموضوعات ضمن الأعمال الأجنبية مثل (المكسيكي والهندي والتركي) باستثناء الأعمال الإيرانية، لن تجد أي تقاطع بين بيئة العمل والبيئة السورية برأي لطفي، عدا بعض التقاليد الاجتماعية والطقوس الدينية التي برزت في المسلسلات الإيرانية، في حين يبقى للقائم على إعداد نص الدوبلاج الحرية في تقريبه لثقافتنا باستبدال كلمات بكلمات أخرى تناسب المشاهد السوري.

كما شكلت الأعمال الدرامية السورية الخاصة بالبيئة الشامية جواز سفر للهجة السورية، التي جالت بلدان العالم بأعمال الدبلجة المقدمة لبساطتها ووضوحها لهم،

في حين تبقى الصفة التجارية ملازمة لأعمال الدوبلاج، برأي لطفي، لكونها مشروعا تجاريا رابحا للشركات التي تعمل على شراء كتلة أعمال وانتقاء الأنسب للمشاهد، واصفاً بعض الأعمال التي قُدمت بغير الملائمة، في حين يعود التأثر بهذه الأعمال من أفراد بعينهم لقابليتهم للتأثر أكثر من غيرهم وميلهم للتقليد الأعمى على حد تعبيره.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار