المباهاة بـ”الإنتاج”..؟! 

لم أُدهش حينما قرأت عبارة “لافتة” نقلت عن لسان أحد الصناعيين الكبار بأن “العمالة السورية من أكثر العمالة ثقافة في العالم”، فهذه حقيقة أكيدة تدعمها الجينات المعروفة بذكائها بشهادة الجميع.

ولا تحتاج سوى بيئة مناسبة لتبدع وتنتج، لكن بالمقابل انتابني شعور “مر” بأن هذه العمالة “المثقفة” تصنف بأنها من أقل الأجور عالمياً، والمضحك المبكي أن “العمالة الرخيصة” كما كان يحلو لبعض المسؤولين تسميتها كانت مصدر مباهاة على ألسنتهم قبل سنوات الحرب القاسية كعامل جذب لتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي في وقت تتباهى المؤسسات “الرابحة” بأجور عمالها العالية كونها تشكل أهم العوامل المحفزة للإبداع.

واليوم تعيش مؤسساتنا العامة والخاصة واقع صعب فرضه نقص اليد العاملة الخبيرة بعد استنزافها ، في ظل رواتب ضعيفة لا تغطي تكاليف المعيشة المرهقة لدرجة يشعر العامل أنه يمول مؤسسته من راتبه ، الأمر الذي بات يتطلب حلولاً نافعة لجميع الأطراف، وهذا يستلزم تعديل القوانين الناظمة للتوظيف والانتاج وخاصة قانوني العمل والعاملين الأساسي، علماً أننا نسمع منذ سنوات عن دراسات لتعديل هذين القانونين من دون أن يثمر ذلك حتى الآن عن نتائج جوهرية تراعي الكفاءة والمؤهل العلمي بعيداً عن المحسوبيات والفساد وحتى التوظيف الأبوي.

الافتخار بأننا من أصحاب العمالة المثقفة والجينات الذكية أمر محمود، لكن الأجدى اقتصادياً توجيه بوصلة الاهتمام والمباهاة صوب العمالة المنتجة، عبر ترسيخ بيئة عمل جاذبة للكفاءات والخبرات تبدأ بوضع هيكلية إدارية تراعي المراتب الوظيفية والتخصص العلمي والخبرات، مدعمة بسلم للرواتب والأجور تتناسب مع هذه الكفاءات ونظام حوافز مشجع للإبداع والإنتاج، وليس تطبيق المعايير ذاتها على من يعمل ولا يعمل، والأشد غضاضة حينما يكافأ المقصر أو الفاسد وينحى صاحب الخبرة والكفاءة .

ويفترض بالتوازي تشجيع الشباب على تأسيس مشاريعهم الخاصة وتغيير تلك القناعات المتجذرة بـ”أمان” الوظيفة الحكومية، عبر منح تسهيلات ودعم فعلي أقله في إزالة عقبات التمويل المثبطة، ما يسهم في جعل الإنتاج أكثر مردودية وابتكاراً بعد الخروج من عباءة الراتب المسقوف، الذي ينتظر محدودي الدخل رفع معدلاته إلى مستويات تناسب تكاليف الحياة المتزايدة وخاصة أنهم مقبولين على فترة أعياد يحق لهم عيش فرحتها بالحدود الدنيا بدون منغصات، وهذا يتحقق بزيادة رواتب معقولة ترمم سلم الأجور فعلياً وليس ترقيعاً على نحو ينعش الجيوب المنتظرة هذا الفرج بفارغ الصبر، وهذا أبسط الحقوق وأسهل الطرق لزيادة الانتاج الموعود وبطاقات عالية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار