” المونودراما” فنٌ يحتاج إلى ” كاتب وممثل ومخرج” خلاّقين
نضال بشارة
ألقى الكاتب ” تمّام العواني” ضمن فعاليات اتحاد الكتّاب العرب في حمص محاضرة بعنوان ” قراءة وانطباعات حول مسرح المونودراما”، نسج خيوطها بين الذاتي والموضوعي، في ضوء تقديمه ستة عروض “مونودراما” ضمن تجربته الفنية على خشبة المسرح كممثل ومخرج، مشيراً في مستهلها إلى دوافعه التي أشعلت شغفه بفن ” المونودراما” والذي بدأ بعد حضوره العرض المسرحي الذي قدمه الفنان زيناتي قدسية في دمشق، ولأن الممثل غالباً ما تتحدث عنه المقالات الصحفية والنقدية، إذ يتم التركيز على النص والإخراج، فبدأ رحلة البحث لمعرفة المزيد عن هذا النمط من العروض، فأفادته المراجع بأن كلمة “مونودراما ” اليونانية تنقسم إلى قسمين الأول MONO وتعني (وحيد)، و DRAM تعني (الفعل). بمعنى؛ أن يشخّص المسرحية ممثل واحد فقط وهو المسؤول عن إيصال رسالة المسرحية ودلالاتها جنباً إلى جنب عناصر المسرحية الأخرى. وأشار إلى أن ثمة خلطاً كان يقع بفترة من الفترات بين ” المونودراما” و ” المونولوج” الذي هو جزء من المسرحية، وليس نوعاً منفصلاً، وإلى أن لـ “المونودراما ” بعض الخصائص الخاصة بها وبعضها الآخر تشترك فيها مع بقية المسرحيات، ثم تحدث عن ظهور هذا الفن تاريخياً مشيراً إلى أن ظهوره ارتبط بإرهاصات المسرح الأولى عند اليونانيين، أما الظهور الثاني لهذا الفن فتشير الدراسات إلى أنها كانت في القرن الثامن عشر على يد رائد فن “المونودراما” الممثل والكاتب المسرحي الألماني ” جوهان كريستيان برانديز (1735- 1799)، ويعود أول نص مسرحي يصنّف كـ “مونودراما” للمفكر الفرنسي جان جاك روسو، وهو نص ” بجماليون” وكان ذلك عام 1760 ، لكن أول من أطلق مسمى ” مونودراما” على نصه كان الشاعر ألفريد تينيسون العام 1855 ، ثم تتالت النصوص ليكتب تشيخوف ومن ثم جان كوكتو، ويوجين أونيل، وصموئيل بيكيت الذي اعتنى بهذا الشكل المسرحي ووجده أنسب الأشكال المسرحية للتعبير عن العبثية التي تقوم عليها عزلة الفرد واستحالة التواصل الاجتماعي. أمّا عربياً فأسماء كثيرة أشار إليها المحاضر التي اشتغلت وقدمت هذا الشكل سواء كنصوص أو كعروض، لكن تبقى تجربة الفنان زيناتي قدسية بالاشتراك مع المبدع الراحل ممدوح عدوان الأكثر حضوراً ومتابعة لنا في سورية، مع تقديم هذا الفن بين حين وآخر وتخصيص مهرجان له في اللاذقية ثم توقف فعالياته، فالفنان زيناتي قدّم مع عدوان (الزبال، حال الدنيا، القيامة، أكلة لحوم البشر). وأشار إلى تجربته هو في هذا الفن التي بدأت مع الكاتب والمخرج المسرحي الراحل وليد فاضل من خلال مسرحية “المشنقة”، ثم قدّم من كتابته أكثر من عرض مسرحي من إخراج المسرحي الراحل محمد بري العواني، وبعضها الآخر من كتابته وإخراجه. وأشار إلى أن هذا الشكل المسرحي في نظر النقاد يختزل كل تجليات وأشكال الصراع الداخلي، حيث تنمو حالة التداعي وتبرز حالة الوحدانية المشار إليها، فالبطل في “المونودراما” يكون عرضة لكل أشكال الصراعات التي تواجه الإنسان. وإلى أن نص “المونودراما” يحتاج إمكانات كاتب واسع الخيال، وصاحب رؤية تمكنه من ضبط السرد، ومتمكن من تصعيد الحالة الدرامية بشخصية واحدة على الخشبة، وكذلك مخرج “المونودراما”، هو الآخر، يجب أن يمتلك قدرات خاصة لأنه يتعامل مع نص مختلف، أما الممثل فيجب أن يمتلك ميزات خاصة، قد لا تحتاجها المسرحيات متعددة الشخصيات، لأنه سيوصل رسالة المسرحية عبر الكلام والإيماءة والإشارة وحركة جسده وصمته وانفعالاته الداخلية.