عصاةٌ على النقد
ليس اتهاماً للبعض توظيف أسماء اشتغلت على “تبييض” صفحاتهم باستمرار، أو بعبارةٍ أخرى، ربما أجادَ أولئك التعاطي مع المُهتمين والمُراقبين مِن حولهم، فظلوا عُصاةً على النقد، لم يقل أحدٌ إن تجاربهم عرفت تفاوتاً، اصطدمت أو تعثرت، كما غيرها، مرّت بانتكاساتٍ ومحطات، أو إنها أخطأت التقدير، وكل هذا طبيعي ومُتقبّل، في حين أنّ ما حصل مع مُكتسبي صفة المُبدعين، يبدو غير منطقي، فهم لم يجدوا مَن يُشير إلى هنّاتهم، وإن حصل، وتجرأ أحدٌ على ذلك، فسيجد عشرات محامي الدفاع، ممن يَرون في الخطأ، ميزةً كامنة، يحتاج اكتشافها إلى إبداعٍ يوازي قدرات إنتاجها، حتى امتلأ المشهد بفنانين وكتّاب، يتمتعون بصفة القداسة والتفوّق.
إظهار البعض على أنهم نخبة لن تتكرر، لا يستثني حياتهم الشخصية، فمحاولات أحدهم التقليل من شأن زوجته في ميدان القصيدة، غير صحيح، والأمر شائعة لا أكثر، وتورّط آخر في عملية نصبٍ، كِذبة غايتها الإساءة لاسمه المعروف، أمّا أن يُقدّم كاتبٌ ما، عملاً أدبياً دون المستوى، فهذا ما لا يمكن حصوله، مع صاحب التاريخ الطويل في عوالم الكتابة، ولا شك أن كلاماً شبيهاً، لا يصدر إلّا عن غيرة أو نصف موهبة، تماماً كما يُقال عن النقّاد، استباقاً لأي حُكم أو تقييمٍ صادرٍ عنهم، هذا في حال وجد النقد مساحةً في المطبوعات والبرامج الثقافية والفنية، فهي عادةً محجوزة للمديح والثناء وانتظار المزيد.
تُطالب أصواتٌ بعدم محاكمة المبدع أخلاقياً، وينفي آخرون مسؤوليته عن الجوقة المُستنفِرة دائماً من خلفه، وهناك من يُبرر له إزاحة مُنافسيه بأي طريقة، وكل هذا يحتمل النقاش، لكن الكارثة تكمن في افتراض المستوى نفسه كلّ مرة، من مُخرجٍ أو كاتبٍ أو مغنٍ، بما يعنيه من غض الطرف عن المُنتج المُتدني، وتجاهل الحديث عنه، كأنه كما صاحبه، منزّهٌ عن الخطأ، وبريءٌ من آثام النقائص، بل يكفيه ما خاضه من حروبٍ وصراعاتٍ، ذاتية ومُجتمعية، حتى وَصَلَنا، بين دفتي كتاب أو على الشاشة، فهل علينا بعد ذلك، مُواجهته بما اقترف برأينا، ثم ما قيمة صوتٍ واحد أمام أصواتٍ، ترى في صمت المُبدع الكبير، إبداعاً آخر!.