المخدرات وإدمانها يمثلان مشكلةً اجتماعية خطيرة تهدِّد أمن المجتمعات وسلامتها
تشرين :
الجوانب الصّحية والاجتماعيّة والقانونيّة لظاهرة المخدّرات
إنَّ تعاطي المخدرات وإدمانها يمثل مشكلةً اجتماعية خطـ.يرة تهدِّد أمن المجتمعات وسلامتها، وأصبحت خطـ.راً داهماً يجتاحُ الإنسانية جمعاء، وتنعكس آثارها على الفرد والمجتمع من مختلف النواحي الصحية والاجتماعية والاقتصادية ، ويمكن تحديد بعضاً من الآثار الصحية والاجتماعية والقانونية والأمنية لتعاطي المخدّرات:
أولاً- الجانب الصحي لتعاطي المخدّرات: يُسبِّب تعاطي المخدرات جُملة من المشكلات الصحية الجسدية منها والنفسية، وأهمُّها ما يلي:
أ- يؤدي تعاطي المخدرات إلى اعتلال صحة المُتعاطي وتدهور حالته النفسية، فيصبح ضعيفاً هزيلاً أسيراً للمُخدِّر فاقداً الشعور بالمسؤولية، هَمُّهُ الوحيد هو الحصول على المُخدِّر، وقد تدفعه الاضطرابات النفسية الى إيذاء نفسه وربما إلى الانتـ.حار.
ب- انحطاط القوة العقلية والجنون: يؤثر الإدمان على المُخدِّر وتعاطيه، على “الدماغ”، فيضعف الذاكرة ويختل عمل الدماغ وتضطرب الحواس، فيزجّ صاحبه بعالم من الهلاوس السمعية والبصرية وتصل به إلى الهذيان والجنون، ويحدث للمُتعاطي أو المُدمن اضطراب في إدراك الزمن والمسافات والحجوم والألوان والأصوات وتختل رؤيته لحقيقة الأشخاص والأشياء، كما يتَّسم بضعف الذاكرة وهبوط مستوى التفكير.
ثانياً- الجانب الاجتماعي لظاهرة المخدّرات: يعدّ تعاطي المخدّرات والإدمان عليها من المشكلات الاجتماعية ذات الآثار السلبية على الفرد والأسرة والمجتمع ويتجلى ذلك في:
أ- يؤدي تعاطي المخدرات من قبل أحد أفراد الأسرة إلى زعزعة البنية الاجتماعية للأسرة، وتراجع أطر التفاعل الاجتماعي البنّاء بين أعضائها، وتختلف أبعاد تلك الآثار ونتائجها باختلاف عضوية الفرد المتعاطي داخل الأسرة كالأب أو الأم أو أحد الأبناء، وكذلك نوعية مادة المخدر الذي يجري تعاطيه، ومستوى التعاطي وفترته الزمنية.
ب- يمثِّل تعاطي المخدرات عبئاً اقتصادياً شديداً على دخل الأسرة: فتسوء حالتها من جميع النواحي المعيشية والتعليمية والترفيهية، فيعجز المدمن عن أداء واجباته تجاه أسرته لأنه مضطر لإنفاق جزء كبير من دخله على شراء المُخدِّر على حساب متطلبات الأسرة المُلِّحة وأمام عجزه يجد المدمن نفسه عصبياً وميَّالاً إلى العنف، ولا يكترث بتربية الأولاد أو تعليمهم، ويُسيء معاملة المحيطين به، ويؤدي هذا الجو المليء بالقلق والتوتر، إلى انحراف بعض أفراد الأسرة، ويكون الوالد في هذه الحالة نموذجاً سيئاً لأسرته، سواء من ناحية أخلاقه، أو علاقاته المشبوهة بالمدمنين ذوي الأخلاق الشاذة، إضافةً إلى انزلاق أحد أفراد الأسرة إلى نفس الهاوية التي انحدر إليها ربّ الأسرة، وهي الإدمان خاصةً الأطفال الذين ينشأ لديهم شعور بعدم المسؤولية وتقدير الواجب حيال أسرهم بل حيال المجتمع، ولا يقتصر تعاطي المخدرات على تشـ.وُّه الوضع المادي للأسرة فحسب، بل يؤدّي إلى تفكّك الروابط الأسريّة، وزيادة المشاكل بين الزوجين والتي تنتهي بالأسرة إلى الـ.دمار ، وبمعنى آخر فإنَّ المتعاطي كما يتأثر بالبيئة المحيطة به، فإنَّه يؤثِّر فيها أيضاً، وتتغيَّر حالته الصحيّة والعقليّة إلى الأسوأ، ولا يكون في حالة صحيّة أو عقليّة تسمَح له أن يربّي أبناءه، ويعجز عن تنشئتهم التنشئة السليمة، كما تنعكس حالات تعاطي المخدرات من قبل أحد أفراد الأسرة على علاقاتهم الاجتماعية، حيثُ يسودها تحديدٌ للتفاعل الاجتماعي معهم، ونفور منهم، ونبذ لهم، ومحايدة الاختلاط بهم من قبل الأقارب والجيران والأصدقاء، بسبب سمعتهم السيئة لتعاملهم مع المخدرات وما يفرزه من أنماط سلوكية سلبية، فضلاً على نظرة المجتمع إلى زمرة المتعاطين فهي تختلفُ من فردٍ لآخر كأن ينظر إلى المتعاطي على أنه مريضٌ بحاجة للعلاج، أو إنسانٌ شاذ، أو أنموذجٌ اجتماعيٌ سيء يجب أن ينبذ، أو رفيق سوء.
ت- الانحدار الخُلقي والاجتماعي: بالرغم من أن المخدّر يعتبر نتيجة للتدهور الأخلاقي، إلا أنه في نفس الوقت يعتبر سبباً لهذا التدهور في القيم، وذلك نتيجة لعدم القبول الاجتماعي للمتعاطي كسلوكٍ غير محترم في بعض الأوساط الاجتماعية، فيفشل في بناء علاقات اجتماعية سليمة مع الآخرين سواء في محيط الأسرة أو خارجها، مما يُفقده الثقة بالنفس ويجد نفسه عاجزاً عن تحقيق النجاح في أي مجال ولا يستطيع مواجهة متطلبات الحياة السليمة وما تستلزمه من جهد وكفاح فيلجأ إلى الطريق الأيسر – كما يتراءى له – وهو طريق الجـ.ريمة والانحراف، ويضطر إلى ارتياد الأماكن والأوساط السيئة حتى يتوفَّر له المخدر، ومن ثم يختلط بذوي السلوك السيء، ويعدّ تعاطي المخدرات سبباً مباشراً لوقوع العِداء والتنافر بين الناس حتى الأصدقاء منهم.
ث- إهدار الموارد البشرية والمالية للدولة: يُشكِّل المدمنون جزءاً من الثروة البشرية للمجتمع والتي يُعوَّل عليها في عمليات البناء والتطوير، والإدمان يضعف من قدرات المدمنين الإنتاجية بل قد يشلُّها كُلِّياً، وبذلك يفقد المجتمع جزءاً من ثروته البشرية، ليس هذا فحسب بل يُمثّل المدمنون عبئاً اقتصادياً على المجتمع إذ تضطر الدول والحكومات إلى إنفاق مبالغ ضخمة لمواجهة مشكلة الإدمان، فما يحتاجه المدمنون من تكاليف علاجية يصل إلى أضعاف ما يحتاجه الأفراد العاديون بنفس فئتهم العمرية، وتحتاج الدولة لمواجهة هذه المشكلة إلى بناء العديد من المراكز العلاجية والصحية وتزويدها بالكوادر البشرية المؤهلة والمتخصصة، وهذه الكوادر ستخرج بطبيعة الحال من دائرة الإنتاج، وبالتالي هدراً آخر في موارد المجتمع.
ج- الانحراف في المؤسسات التّعليمية وميادين العمل: إنَّ تناول المخدرات أثناء فترة تكوين الجسم من شأنها إعاقة النضوج الطبيعي للجسم ومضاعفة مخاطر تناولها في سن البلوغ، إذ تُحدث تلفاً في خلايا الدماغ وتُقوِّض قدرات التلاميذ الأكاديمية وأدائهم الدراسي، وتؤكّد الأبحاث على وجود علاقة طردية بين تعاطي المخدّرات وانحرافات تلاميذ المدارس والجامعات تبرز في أعمال الغش في الامتحانات، والرسوب في الاختبارات، والشراسة مع الزملاء، والطرد من قاعة الدرس، والفصل من المدرسة لكثرة الغياب، والشجار مع المدرسين والاعتداء عليهم وإهانتهم، والهرب من المدرسة، والسرقة والبغاء وترويج المخدّرات…
ثالثاً – الجانب القانوني لظاهرة المخدّرات: لقد أُفرد قانون خاص لجـ.رائم المخدرات وهو القانون رقم 2 لعام 1993م، تبنى المشرِّع من خلاله نهجاً عقابياً متوازناً يجمع بين العقوبات المُشَدَّدة والعقوبات المُخَفَّفة بحسب القضية المنظورة، ويمكن إيجاز هذه السياسة بجانبين:
الجانب الأول: تبنى المشرّع سياسة عقابية متشدّدة إزاء جـ.رائم المخدّرات عموماً، خاصّةً جـ.رائم تهريب المخدّرات وتصنيعها وزراعتها والاتجار بها، حيث وصلت العقوبة إلى حد الاعـ.دام.
الجانب الثاني: رأى المشرِّع في قانون المخدرات رقم 2/ لعام 1993 ومن خلال الاسباب الموجبة لصدوره ، التوجهات الإنسانية للسياسة العقابية الحديثة من خلال نظرته للمدمن على أنه شخصٌ مريض أحوج إلى الرّعاية والعلاج وليس مُجـ.رِماً تُشَدَّد عليه العقوبة حيث:
أ- نصّ على إنشاء مصحّات لعلاج المدمنين وإنشاء مؤسسة لرعاية مَن يتقرّر الإفراج عنهم من المصحّات لضمان تكيّفهم مع المجتمع وعدم انحرافهم مجدّداً.
ب- أجاز للمحكمة من خلال المادة (43) الفقرة / ب / وقف تنفيذ العقوبة المحكوم بها المتعاطي ، وإيداع من يثبت إدمانه على تعاطي المواد المخدّرة إحدى المصحّات التي تُنشأ لهذا الغرض كي يعالج فيها.
ت- خامساً- الجانب الأمني لظاهرة المخدّرات: تتجلى الآثار السلبية لظاهرة المخدرات على الجانب الأمني من خلال النقاط التالية:
– انتشار الجـ.ريمة والانحراف : يعد إدمان المخدرات من الموضوعات التي ترتبط بالسلوك الإجـ.رامي، وذلك من ناحيتين، الناحية الأولى، أنه جـ.ريمة في حد ذاته يعاقب عليها القانون، ومن ناحيةً أخرى فقد ثَبُتَ من خلال البحوث والإحصاءات المبنيّة على ملاحظة الجـ.رائم المُختلفة، أن هناك علاقة بين تعاطي المخدرات والأفعال التي يجرمها القانون، كجـ.رائم القـ.تل والاغتـ.صاب والسرقة والتشرد والجـ.رائم الجنسـ.يّة، وبذلك يمكن القول أن الجـ.رائم الناجمة عن المخدرات هي جـ.رائم مركّبة تنشئ مضاعفات إجـ.رامية خطـ.يرة على المجتمع، فانعدام دخل المتعاطي نتيجة لبطالته وعجزه عن سدّ احتياجاته، يُحتّم عليه الاتجاه لارتكاب الجـ.ريمة في بعض أشكالها وصورها كالاحتـ.يال أو إساءة الأمانة، ويتعرّض بالتالي للتدهور الخُلقي، والاجتماعي، والتفكك الأسري، وإهمال الأبناء، وتعاطي المزيد من المواد النفسية الأخرى كالكحوليات.
– زعزعة استقرار المجتمع الاهلي: إنّ تفشّي ظاهرة المخدّرات يطال استقرار المجتمع؛ فظاهرة المخدّرات هي إحدى أهم أسباب تفاقم معدّلات الجريمة (حـ.روب العصابات، الاختـ.طاف، الابتزاز، إضعاف سيادة القانون، انتشار القمار والبغاء…). علما بان الأنشطة غير المشروعة تشكل عرفا يؤثر على النسيج الاجتماعي، وكذلك فان الأرباح السريعة المتحققة من الاتجار بالمخدرات وترويجها قد تدفع الشباب إلى ترك مقاعد الدّراسة والانخراط في هذه الأنشطة مما يؤثر سلبا على تقدم المجتمع.