“صور من مُجرد جدار ميكرو باص مُهلهل”.. على طريقة “عرفان خليفة”
لبن شاكر:
يستبق المصور”عرفان خليفة” ردات الفعل، تجاه موضوعه المُختار للتصوير، بأن يقول في التعريف عنه “صور من مُجرد جدار ميكرو باص مُهلهل”، كأنه يُطالب المُتفرجين بالتعاطي مع الفكرة، ببساطة، تُوازي رؤيته لها، وطريقته في انتقاء نُقاط مُتناهية الصغر، والاشتغال عليها، قبل نقلها إلى صالة المعهد العالي للموسيقا، حيث كان المعرض مُؤخراً.
يحكي لنا خليفة، ذكرياته مع الباص المُخصص لنقل مُوظفي المعهد، وهو واحدٌ منهم، اعتادوا أن يكون بدايةً لأيامهم، وعلامةً لانتهاء أوقات الدوام، بما فيها من أحاديث وتعب وآمال، لكنه بعد عودته من سفرٍ دام ثلاث سنوات، رآه مصادفةً، محروقاً بالكامل أو كما سماه “مُهلهلاً”، ويبدو أنّ ذلك كان مُزعجاً جداً، بحيث لم يدفعه للسؤال عما تعرض له الباص، حادثاً كان أم تفجيراً، مع الإشارة إلى أنه كان مُلهماً في زمنٍ مضى، لعددٍ من طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية، الذين أقاموا فيه عرض تخرجهم بإشراف الفنان فايز قزق.
يقول خليفة لـ “تشرين”: استرجعتُ ذكرياتي مع الأصدقاء والزملاء، وتألمت لِما آل إليه المكان الذي جمعنا لسنوات، وكان شاهداً على ما عايشناه، في الوقت ذاته، خطر لي تحويل القبح الماثل في الحرق والإفناء، إلى جمالٍ بلا تكلّف، فأخذت صوراً من الجدار الجانبي المعدني للباص، تتناول أجزاءً صغيرة مُحددة، كبرتها فيما بعد، لإظهار ما فيها من تكوينات.
لم يبحث المُصوّر عن تسمياتٍ أو توصيفاتٍ واضحة، لمضامين صوره، حتى إن الألوان لم تخضع للمعالجة، كل ما قام به إعطاء تباينٍ لها وتحسين الإضاءة، فهي برأيه لوحات تجريدية، تعتمد على اصطفاف الألوان بجانب بعضها، والعلاقة التي تنشأ بينها، إلى جانب تقاطعات الخطوط، المنكسرة أو المنحنية، ومن ثم يأتي خيال المتفرج، ليجعل منها ما يشاء، وجوهاً أو شخوصاً أو حكاياتٍ تعنيه وحده.
قدّم خليفة خلال السنوات الماضية، عدة تجارب في التجريد، من بينها تصوير جزئياتٍ صغيرة جداً في الأرض، وآلاتٍ قديمة، وهو على ما يصفه، لا يعني الفوضى، وليس صعباً كما يُظهره البعض، بل تعوداً على التقاط التفاصيل، والبناء عليها، ففي حين مرّ الكثير من الناس، بالقرب من الباص المركون في مرآب المعهد، ولم يروا فيه سوى كتلة حديدٍ وشبابيك مُتهالكة، لا شك في أن آخرين حاولوا البحث فيما هو أبعد.
يُذكر أن “عرفان خليفة” خريج المعهد العالي للموسيقا في العزف على آلة الترومبيت، وهو عضو نادي التصوير الضوئي في المركز الثقافي الفرنسي في دمشق، سابقاً، وله مشاركات محلية إضافةً إلى معارض في النمسا وفرنسا، إلى جانب أنه صانع أفلام فنية قصيرة منها “اللاجئ الصغير”، “لارجو”، “قشمد”.
تصوير- وائل خليفة