“تخسيس” النص
يكمن الإبداع في تلك «الإضافة» التي لا تتعدّى مساحتها -بعد أن تمّ قول كل شيء تقريباً- سوى مليمترات قليلة, ومن المهم هنا أن نُذكر أنّ كلمة مُبدع مُشتقة في الإسبانية من الكلمة اللاتينية «AUCTOR» بمعنى الذي يزيد أو يضيف، وقد أطلق اللاتينيون هذا اللقب على الجنرال الذي كان يضيف قطعة أرض جديدة للوطن.
ووحدهُ اليوم من يقبض على الفكرة، يستطيعُ التعبير عنها، وبأقلّ ما يُمكن من مفردات صياغات التعبير، أما الذين يستفيضون ويستطردون، فهم أولئك الذين تهرب منهم الفكرة ولا يستطيعون ترويضها، ومن ثم كانت حاجتهم للكثير من التفصيل والتفاصيل.
القصة القصيرة جداً، القصيدة الومضة، التوقيعة، النانو، الهايكو، الهايبون، التانغا.. وغيرها من أنواع النصوص التي تنتشرُ اليوم بلا هوادة على مختلف حوامل الإبداع: الكتاب، الدوريات والصحف، ومواقع التواصل الاجتماعي والإلكتروني.. والتي سمتها الأبرز هي القصر، أو النص المُكثف لدرجة استغلال بياض النص، وهنا يكون التلقي بأقل ما يُمكن من هدر الوقت، تماماً كمن يسمع موّالاً من العتابا، حيث يقول دفقته الجمالية برشاقة غزال.
حتى في الغناء؛ انتهى زمن الأغنية التي كان المُطرب أو المُطربة يُردد في مقاطعها لزمنٍ قد يتجاوز الساعة فلا “آهات” لذيذة اليوم للإطالة والإسهاب، «الآه» هي للدهشة التي تأتي في نهاية نصٍّ قصير، أي نص سواء كان شعراً أم قصة، وحتى الرواية هي الأخرى؛ خضعت للكثير من برامج التخسيس والرشاقة، وعليها اليوم أن تُفرج عن قولها الإبداعي كاملاً خلال ساعة قراءة على الأكثر، فزمن فيكتور هيغو وبلزاك ونجيب محفوظ؛ صار بعيداً جداً، وليس اليوم ثمة وقت لأجزاء لذات الرواية، تماماً كما لم يعد هناك من ينتظر “البقية تأتي لاحقاً” وليس للحديث بقية..!
هامش:
…
في
الدفاتر البعيدة
البعيدة؛
كنا
خطونا لأجل “الألف ميل”،
لم
تذهب الخطوات بنا بعيداً؛
كانت مراوحة
في المكان.