فيما بعد الإر*ه*اب

تمكنت العولمة من فرض مسلّمات على سكان الأرض، يتم تداول إحداثياتها الواقعية، والثقافية بسذاجة المتلقي القانع من هزيمته أمامها إلى الأبد، فليس هناك من جدوى حتى في الحوار معها، لكونها باتت تشكل منظومة متكاملة تعمل تلقائياً، حتى ليُظن، في أكثر الأحيان، بأن آلاتها امتلكت قدرة الاستقلال عمَنْ وضعوا دساتيرها في الأصل لتكون في خدمتهم، أو لتكون في خدمة التطور العام للبشرية الذي تفرضه طبائع العصرنة، هذا الأخير يَطلب منا النظر إليه بحسن نية، وإلّا بات الشعور بالهزيمة أكثر حدةً في نفوسنا غير القادرة على الفعل، أو حتى الرفض بمفهومه الإيجابي!

يتمحور طموح الإنسان غرائزياً، حول امتلاك نصيبه مِنْ الحياة، التي استقدمته إليها، مِنْ دون أَنْ يكون له رأي بذلك، هذا الطموح، تاريخياً، استطاع توليد ملايين الأسئلة الذهنية التي تبحث عن أجوبة لتبرير الوجود، بغية إنقاذه مِنْ غربة قهرية، لا مجال لتجنبها، مهما كانت الجهود التي يبذلها لأجل ذلك حثيثة، إلّا أَنَ تلك الجهود ومفرزاتها الثقافية استطاعت حماية روحه من أن يكون عبداً للغربة، لكنها في الوقت ذاته شكلت بذرة لخطاب كراهية تجاه مِنْ استنبتوا أسئلة وأجوبة مخالفة له.. هناك أيضاً الحاجات المادية التي يشترك فيها، فطرياً، جميع مخلوقات الأرض، والتي لا بدّ من توافرها لاستمرار الحياة، تلك الحاجات الغرائزية الأنانية بالمطلق، تماهت مع المطالب الروحية لدرجة صعوبة الفصل بين البذرة ومَنْ قام، أو يقوم بالحاضر على ريها، ورعايتها، حتى غدت شجرة سرطانية بأوراق مغرية لدرجة السحر الذي يقبل فيه الساحر بأن ينقلب عليه، لأجل امتلاك ورقة منها، هنا تصبح العلاقة الجدلية أيضاً ورقة مغرية سوف تستغلها العولمة لاستعباد الآخر، ورميه طائعاً، وممجداً لِبَهائها، حتى في حال قناعته المطلقة بعدم امتلاك ولو الجزء اليسير من أوراقها، مهما بذل مِنْ جهد ودم في سبيل ذلك، ولأنها تعي ذلك، فسوف تعول نجاحاتها دائماً على تعزيز تلك الثقافة بطرق معاصرة تضمن لها الريادة بشكل مستمر..

سنتجاوز -هنا- مئات الكتب والبحوث التي قدمت للقارئ النخبوي إيجابيات العولمة، وسلبياتها، على حد سواء، لنقف عند مدوناتها الواقعية، غير المعترف بأنها هي جزء من إنتاجها الضامن -أبداً- لسيادتها، ولسيادة ثقافة الهزيمة عند الشعوب غير المشاركة في صياغة دستورها، وعلى رأس تلك المدونة يقف الإر*ه*اب، وخطاب الكراهية والدم، الذي ينشر رائحته بين تلك الشعوب بأشكال مختلفة، منها ما هو روحي تتصدر قائمته الدفاع عن الهوية، ومنها ما هو مادي يحتوي فهرسه على عناوين سياسية واقتصادية بمصطلحات معاصرة، تغري من جديد على متابعة خطا الجدلية القائمة على خلط الأوراق بين الروح والمادة لمتابعة الاقتتال، وأيضاً سأتجنب التحدث بهذا الخصوص، لا لكون إحداثياته باتت بمتناول الجميع، ولم يعد خافياً على أحد طرق تمويله، وغايته، وإنما لأشير إلى ما بعد الإرهاب المسلح، والتي تحاول العولمة تعميم ثقافته بين الشريحة الأكبر من مجتمعات أجهز الإر*ه*اب على مقدراتها، حتى باتت رهينة «سلة المساعدات الغذائية» التي تقدمها الدول المانحة، تحت أسماء مؤسسات، يجهل الكثيرون، أن العولمة ورعاياها، هم من يشغِّلون رأس الهرم في بنيانها مجهول الإقامة، لا بدّ من تأكيد الإقامة المجهولة لتلك المؤسسات، لكونها تمثل الشريك الثقافي لمشروع الشركات الفاقدة لهويتها الإقليمية في أكثر الأحيان!.

كما أسلفت بأن الإنسان مفطور على سؤال الذات، وأجوبته الروحانية، وأيضاً، السعي الدائم لتأمين حاجاته المادية، لضمان استمرار حياته فوق الأرض، وإن العولمة أدركت تلك الجدلية، واستطاعت بوسائل اتصالاتها سهلة المنال، تسخيرها لصالح الإعلاء من شأن الاستهلاك، والمال، ولا ريب في القول إن وسائل الاتصالات الحديثة استطاعت نشر تلك الثقافة بين أمم الأرض، واستطاعت تلك الثقافة أن تكون وباءً على الشعوب الأكثر فقراً، فكان الإر*ه*اب هو الحكم الشرعي في صفوف أبنائها، ولأن معادلة الإر*ه*اب غير كافية لسيطرة العولمة على السواد الأعظم، فقد كان ما بعد الإر*ه*اب، أكثر حنكة لكونه مختبئاً في عبوات المساعدات الإنسانية، التي تمنعه مِنْ الاعتماد على الذات، ليكون شريكاً فاعلاً في تحويل العولمة إلى مشروع سلام يضمن رفاهية الجميع، ولأن تلك السلة لن تستطيع الوقوف بمفردها بوجهة روحانية الإنسان، فقد ألحقتها بمنظمات تحتفي قاعدتها بالعمل الطوعي، ضمن مؤسسات سمَّتْها جزافاً مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات غير الربحية التي تستطيع برامجها، استبدال الشعور بعطب الحلم، ببطالة مقنّعة تحت أجندات وشعارات مفرغة من المضمون، لكونها تقدم في برامجها نصائح لا يمكن تحقيقها في مجتمع يعاني إلى جانب الفقر فقدان الحلم بالمستقبل، وتالياً يتم اكتمال الدائرة نقاطها المهزومة سراً ، ليس من الواقع فحسب، وإنما من ذاتها أيضاً، لتدور جميعها حول مركز العولمة، وبالنظر إلى هذه الظاهرة فيجغرافيات الدول التي طالها الإر*ه*اب، ستُظهر النتائج ذاتها على شكل بطالة، ليست مقنعة، وأحلاماً يائسة، معززة بسيل من المخدرات، وجرائم لا يحمل مرتكبوها أسباباً مقنعة لفعلها، ولا بدّ من الإشارة أخيراً، إلى أن الأموال، والنشاطات العسكرية، والمدنية، التي هدرت على مذبح في ما بعد الإر*ه*اب، فيما لو سخرت للنهوض بالمجتمعات إلى حيز المجتمعات المدنية، لكانت قادرة على الارتقاء بأي مجتمع، وجعله من ضمن مجتمعات الرفاه التي تتسيد العولمة رأس هرمه الأكبر من دون أي منازع، وخاصة في مجتمعات استلبها القهر، والفقر، وفضلات الثقافة البديلة التي تحثنا دائماً على متابعة الهزيمة!.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار