قيس بن الملوح يطعن ليلى بالسكين!
هدى قدور
تخلّى العاشق قيس بن الملوح “المعاصر”، عن بيت شعره القائل: “وخُطّوا على قبري إذا متّ واكتبوا.. قَتِيلُ لِحاظٍ مَاتَ وَهوَ عَشِيقُ”، فقام بهجاء ليلى، وعمل لها حظراً على “الفيسوك،” و”بلّوك” على “الواتس آب،” بعدما قررت الزواج برجل آخر. ولم يروِ غليله كل ذلك فقام بقتلها بسكين كي يسترد كرامته المهدورة وحقه المهضوم في الاستحواذ على ليلى كمالك حصري لديه بيان يؤكد ذلك من السجلات العقارية!.
ورغم أن العرب في المراحل ما قبل الإسلام عُرفوا بوأد البنات، إلا أن قصص الحب التي أتتنا من ذلك العصر تؤكد مكانتها العالية خاصة في قصة “عنترة وعبلة”.. لكن الوضع اليوم يبدو مختلفاً بعدما كثرت جرائم قتل المرأة كعقاب لرفض الرجل، وكانت المفارقة أن كل ما يجري في المجتمعات العربية من تخلف وظلم وفساد لم يثر حفيظة البشر من رجال ونساء، ولم يشعرهم بالإهانة مثلما كانوا مستعدين لارتكاب الجرائم وخوض الحروب ثأراً أو انتقاماً من بعضهم بسبب ما اعتبره مسّاً ب”الشرف”، فكانوا في كل مرحلة يعيدون تكرار قصة “داحس والغبراء” إنما بشكل مختلف.
قيس ليلى وجميل بثينة وكثير عزّة، المعاصرون، يبدون كثيراً من العنف ويعتقدون أن رفض الصبايا الدخول في علاقات معهم، أكبر شيء كارثي يمكن أن يحدث لهم، فهم مضطرون للتعويض السلبي عن تاريخ الهزائم الذي لحق بهم تاريخياً منذ عصر الانحطاط إلى الآن، عبر المعارك الصغيرة التي تكون مضمونة النتائج مثل قتل المرأة والثأر من ابن العم والوشاية بالأخ.. ورغم أن حال الرجل أفضل قليلاً من حال المرأة في مجتمعاتنا إلا أن الطرفين لا يقصران ببعضهما إذا ما فُتح المجال أمام أحدهما للتحلي بالثروة والجاه والمكاسب، مقابل الارتباط بحبيب المصلحة الذي يعد صفقة العمر بالنسبة إلى المرأة والرجل على حد سواء.
من الأخطاء الفلسفية الكبيرة القول إن المرأة نصف المجتمع، فربما تكون أمه أو حاضنته ومربيته، أما نصفه فيعد انتقاصاً من مكانتها باعتبار أن وظيفة النصف هو إكمال النصف الثاني فقط، وبالتالي لا دور له في مسلسل الحياة سوى بطولة الدور الثاني والثالث وفي كثير من الأحيان يكتفي هذا النصف، الذي هو المرأة، بدور الكومبارس الذي لا دور له سوى الطبخ والجلي وغسل الملابس.
من الطبيعي أن تكثر جرائم قتل النساء لتحل مكان التضحيات الكبرى من أجل الحب، فقيس المعاصر لم يدرس بكالوريا، ولا يعرف من الحياة شيئاً غير الركوب على “الموتور” والتشفيط في الشوارع لجذب الانتباه.. قيس يضع “الجلّ” و”الواكس” على شعره “المتقصف” ويتبختر في الشارع معتقداً أنه “دونجوان” أو ملك زمانه، وبالتالي سيكون عليه فقط أن يؤشر حتى تتهافت الحوريات من كل حدب وصوب على (سبسلة) عينيه اللتين لا تقاومان.
مشكلة قتل النساء، جزء من مصيبة أعم وأكبر تتعلق بالثقافة العربية والشخصية التي لم تنم بشكل طبيعي منذ مئات السنين حتى اليوم. وإذا كنا في عصور موغلة عرفنا قصة “عشتار وتموز ” ونزول العاشقة عشتار إلى العالم السفلي من أجل إنقاذ حبيبها، فنحن اليوم نعيش عصر “العريس اللقطة” و”عروس المرسيدس” البيضاء، التي يمكن أن تخون حبيبها من أجل المكاسب، أما الحبيب أو العريس فهو “أدق رقبة” عندما لا يفكر سوى بعروس “مهبرة” تغنيه إلى ولد الولد.
من حق “سندريلا” العشق العربي أن تحلم بشقة وسيارة وأموال، كما من حق “كازانوفا” العرب أن يحلم بأنه عنتر زمانه، لكنهما لابد أن يمتلكا مقومات ذلك الطموح الذي لا يخفف من شأن أحد ولا يهرق دم أحد.