واشنطن.. ورحلةُ البحث عن «سفينة نجاة» !.
مها سلطان:
حالياً، كل الدروب الأميركية لا بدَّ من أن تؤدي إلى السعودية، والحديث هنا حديث اقتصاد أكثر منه حديث سياسة.. فعندما يتم الحديث عن زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى السعودية، المقررة منتصف تموز المقبل، هناك أمر واحد فقط يُستحضر معها وهو أن الولايات المتحدة وصلت نهاية المطاف، ولا بدّ أن يَحضُر سيدها، أي بايدن، شخصياً إلى السعودية ويمد يده مستعطفاً المَدَد، قبل أن تصبح بلاده من ركاب الدرجة الثانية على متن قطار العولمة الجديدة الذي تقوده روسيا والصين.
* *
ليست واشنطن في حالة إنكارٍ، لكنها لا تعلن، تدرك أن الجميع تعلّم – أو على طريق- تعلّم العيش من دون أميركاـ هذا ينطبق حتى على الحلفاء الأساسيين في المنطقة، حلفاء النفط الخليجيين الذين سعت الولايات المتحدة في الأعوام الأخيرة لتهميشهم.. بايدن نفسه تعهد أن يجعلهم (خصوصاً السعودية) من المنبوذين (خلال حملته الانتخابية)،حينها كانت الحسابات الأميركية مختلفة، راهنت على قواعدها القديمة في عصر القواعد المتغيرة، فكانت النتيجة الطبيعية والمنطقية هي الفشل.
بمعنى؛ لا تريد واشنطن تغيير أساليبها في الضغط والابتزاز (والعقوبات) والتهديد (والحروب)، لا تريد أن تتعلم درس روسيا والصين، راهنت على أن حرب أوكرانيا «ورطة» ستخرج روسيا من قائمة الخصوم العالميين (الاستراتيجيين)، لكن هذا لم يحدث.. وهي تراهن على تايوان لإخراج الصين، لكن هذا لن يحدث أيضاً.. راهنت على أن حلفاء النفط الخليجيين سيحذون حذو الأوروبيين الذين «انتحروا اقتصادياً» على مذبح العقوبات الأميركية على روسيا، هذا أيضاً لم يحدث، بل إن هؤلاء الحلفاء ذهبوا باتجاه الخصوم، روسيا والصين، وملؤوا خزائنهم بعوائد العقوبات الغربية على روسيا التي قادت أسعار النفط إلى 125 دولاراً للبرميل الواحد، لتصبح هذه الخزائن طافحة بالمليارات (السعودية مثلاً، حسب التقارير الاقتصادية، وصلت عوائدها إلى مليار دولار يومياً، بعد أن كانت تعاني عجزاً بعشرات مليارات الدولارات قبل بضعة أشهر.
*** الزيارة.. الهدف والمطالب
مُرغماً، سيبلع بايدن لسانه ويتقبل حَرَج زيارة السعودية، المراقبون يعدون السعودية محطة رئيسة (إن لم تكن الوحيدة) في رحلة بايدن للبحث عن سفينة نجاة، إذ تسبق هذه الزيارة رحلة أوروبية مقررة الأسبوع المقبل (ليست أوكرانيا ضمنها)، وخلال الشهر الماضي كانت هناك رحلة آسيوية مهمة.. كل ذلك في سياق التكوين الجديد للأسواق العالمية ومراكز القوة (ما بعد حرب أوكرانيا) الذي تسعى الولايات المتحدة لتكون هي المهيمنة عليه.
ورغم أن الاقتصاد الأميركي يعاني منذ بداية هذه الألفية لكنّ الأميركيين لا يجدون أمامهم إلّا بايدن ليصبّوا جام غضبهم عليه، علماً أن الاقتصاد في عهده هو نتاج عقدين من التراجع والتدهور ومن صعود قوى اقتصادية عالمية استطاعت إدارة دفة الاقتصاد العالمي لمصلحتها مستخدمةً المنصات الأميركية نفسها (وتحديداً العولمة) وصولاً إلى انتزاع الزعامة الاقتصادية.
الصورة المتشائمة للاقتصاد الأميركي تعززها الأرقام والتقارير التي تخرج من المؤسسات الأميركية نفسها..الأداء الاقتصادي في أسوأ حالاته منذ عشرين عاماً.. الركود يتسارع مع ارتفاع نسبة التضخم (8.6 في المئة) ووصول أسعار البنزين إلى أرقامٍ فلكيّةٍ غير مسبوقة (5.5 دولارات للغالون الواحد) والأمر نفسه يُقال عن السلع الاستهلاكية الرئيسة، ومحو تريليونات الدّولارات من قيمة حسابات التقاعد الأمريكية نظراً لانهيار الأسواق المالية الأمريكية.
أحدث استطلاع أجرته منظومة «SSRS» لحساب محطة «سي إن إن» أظهر أن أقل من 23% من الأمريكيين فقط يُبدون تفاؤلاً باحتمال تحسن الأوضاع، بينما قال 55% إن سياسة بايدن أدت إلى تفاقم الأوضاع للأسوأ.
زيارة بايدن للسعودية لا يمكن تقزيمها في أغراض انتخابية (سواء النصفية أو الرئاسية) وإن كانت هذه الزيارة – إذا ما نجحت- سترفع إلى أقصى حدٍّ رصيد بايدن (والديمقراطيين).
في واشنطن (حسب مجلة فورين أفيرز في عددها الإثنين الماضي) فإن زيارة بايدن للسعودية هي صفقة كلاسيكية (أي جرياً على العادة.. في إشارة إلى صفقة واشنطن مع السعودية في سبعينيات القرن الماضي عندما تم ربط الدولار بالبترول.. وصفقة الرهون العقارية السابق ذكرها التي سبقت ما يُسمى الربيع العربي). وفي رأي البيت الأبيض فإن ضخ المزيد من النفط في السوق العالمية (وهو ما سيطلبه بايدن من السعودية بشكل أساس) يعني «الراحة في ضخ الغاز للأميركيين» باعتبار أن السعودية «هي المنتج الوحيد للنفط الذي يمتلك قدرة فائضة كافية لتهدئة أسواق النفط» حسب “فورين أفيرز”