بايدن في السعودية.. استمرارٌ لفشل ترامب وأسعار الغاز لن تتغيّر
ترجمة وتحرير: راشيل الذيب:
جميع العناوين الأخيرة بشأن الرحلة المرتقبة للرئيس الأمريكي جو بايدن إلى السعودية تدور حول صفقة لخفض أسعار الغاز، بينما في الواقع لدى بايدن حسابات أكثر خطورةً مما يدركه الكثيرون، يقال إنه يخطط لتزويد «الديكتاتوريين في السعودية» باتفاقية دفاع تُلزم الأمريكيين بالدفاع عن نظاميهما.
وبالعودة الى الوراء، وتحديداً عندما ترشح بايدن لرئاسة البيت الأبيض، كان تعهد بالانفصال عن سياسة سلفه دونالد ترامب الخاصة بالشرق الأوسط، فوعد بإعادة القوات الأمريكية إلى الوطن، والعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، وإنهاء الحرب على اليمن، وتوعّد بإعادة السعوديين إلى وضعهم المنبوذ، ولكن بعد رفض اتخاذ الخطوات اللازمة للعودة إلى الاتفاق الإيراني، ومع انتشار الشائعات بأنه على وشك عرض اتفاقية دفاع على السعودية (ودول خليجية أخرى)، فإن سياسة بايدن تبدو وكأنها استمرار لاستراتيجية ترامب في الشرق الأوسط!
إن زيارة بايدن إلى السعودية لا تنمّ فقط عن تغاضيه الفعلي والكامل عن دورها المباشر في قطع رأس الصحفي جمال خاشقجي مقابل وعد سعودي بضخ المزيد من النفط، بل إن هذه الرحلة تتعلق بـ«الأمن الإقليمي لإسرائيل» على نحوٍ خاص، كما جاء على لسان بايدن نفسه في 12 حزيران الجاري.
وكانت انتشرت شائعات في واشنطن منذ شهور بأن بايدن يسعى لتوسيع مبادرة السياسة الخارجية التي رعاها ترامب، في إشارة إلى ما يسمّى «اتفاقيات أبراهام» التي أدت إلى تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين «إسرائيل» وعدد من الدول العربية، والآن يسعى بايدن إلى تشميل السعودية في نوع مماثل من الترتيبات مع “إسرائيل”.
ووفقاً لمصدر مطّلع، سيكون هناك اتفاق تعاون دفاعي استراتيجي ملزم يتخطى عتبات أي شيء وافقت عليه الولايات المتحدة في المنطقة من قبل، من جانبها تبحث السعودية عن تأكيدات بأن الولايات المتحدة ستحتفظ بوجود عسكري كبير في المنطقة لمساعدة الرياض على مواجهة التهديدات التي ستواجهها، وكذلك الوقوف إلى جانبها في حربها الشنيعة على اليمن، وفقاً للمستشار السابق لبايدن في الملف الإيراني، دانيال شابيرو.
ويمكن القول: إن اتفاق بايدن الدفاعي لتعزيز مبيعات الأسلحة هو السبب وراء عدم التزامه بتعهده بالعودة إلى الاتفاق النووي أيضاً، لأن ذلك سيتطلب شطب الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإر*ه*اب الأمريكية، الأمر الذي من شأنه أن يثير حنق «إسرائيل» والسعودية ويعرّض «ميثاق الدفاع» للخطر.
إن هذه الصفقة فاشلة بكل المقاييس.. بادئ ذي بدء، إن «إقامة علاقات كاملة مع إسرائيل» هي امتياز يقدم للأخيرة، ولا يعزّز أمن الولايات المتحدة بمقدار أنملة، كما أنها أبعد ما تكون عن تحقيق السلام أو الاستقرار في الشرق الأوسط، وهو ما أثبتته التجربة حتى الآن مع ما يسمى اتفاقات أبراهام، إذ إن إدارة بايدن لم تضغط على «إسرائيل» لتقديم أي شيء للفلسطينيين كجزء من هذه الاتفاقية، وبدلاً من ذلك، طلب بايدن منها الامتناع عن أي «أعمال استفزازية في الضفة الغربية المحتلة والقدس» من شأنها أن تؤجج التوترات قبيل زيارته، ما يعني أنه بمجرد انتهاء الزيارة لن يعترض بايدن على القمع الإسرائيلي المستمر للفلسطينيين، ونُذكّر هنا بتسارع «عملية الضمّ الإسرائيلي» للأراضي الفلسطينية منذ توقيع اتفاقيات أبراهام.
ثانياً، من غير المرجّح أن تؤدي مقامرة بايدن إلى خفض أسعار الغاز المرتفعة كثيراً، إذ يشكك الخبراء في امتلاك السعوديين ما يكفي من الطاقة غير المستخدمة لخفض أسعار الغاز الأمريكية بصورة ملحوظة. إذاً جذر المشكلة يكمن في اعتماد واشنطن المفرط على السعودية على حساب تنويع العلاقات مع الشرق الأوسط، على سبيل المثال، تمتلك إيران ما يقدر بنحو 85 مليون برميل من النفط مخزنة في البر والبحر والتي يمكن طرحها على الفور تقريباً في السوق، في حال العودة الأمريكية إلى الاتفاق النووي.
ثالثاً، من غير المرجّح أن تجعل اتفاقية بايدن «الدفاعية» منطقة الشرق الأوسط على نحوٍ عام أكثر أمناً، فعلى عكس الادعاءات القائلة إنها نهج جديد للأمن في المنطقة، فإن اتفاقيات أبراهام هي استمرار لإستراتيجية أمريكية فاشلة استمرت أربعة عقود، وهي حشد المنطقة حول هدف عزل واحتواء إيران. كانت هذه الاستراتيجية مصدراً للصراع في المنطقة، وليست قوة للاستقرار، كما اعترف مسؤولو الإدارة الأمريكية أنفسهم بمن فيهم مبعوث بايدن إلى إيران، روب مالي الذي أكد أواخر العام الماضي أن معظم الخلل الوظيفي في المنطقة له جذور تخلص إلى السعي لاستبعاد إيران.
ربما يكون أهمّ التزام ستسعى واشنطن لانتزاعه من السعودية- وغيرها من الدول الخليجية النفطية الحيوية- هو التوافق مع استراتيجية الولايات المتحدة بما يخصّ مواجهة روسيا والصين، لكن ليس هناك ما يشير إلى أن إستراتيجية بايدن هذه ستؤدي إلى التزام سعودي/خليجي مستدامٍ تجاه الجانب الأمريكي في منافسة القوى العظمى في هذا القرن.