نسخة سعيدة منّا
يُفترض أنها تُقال على سبيل التشجيع، لكن معنى ما في عبارة “كافئ نفسك”، يبدو أقرب للمواساة أو التعزية، كأنّ أحدنا يُخادع نفسه، مُستهيناً بحروبها اليومية، وخساراتها المُستمرة، فيعدها بمكافأةٍ، لا تليق بأوجاعها، ولا تعني لها شيئاً يُذكر، بل ربما، تُفاجئها بمدى بؤسها، إذا ما كان شرب فنجان قهوة، في مكانٍ عام، أو حديثٌ مع صديقٍ أو حتى شراء قطعة ثياب جديدة، إنجازاً لا يحدث، إلا قليلاً، حتى أصبح في النهاية، ترضيةً أو هدية، نهبها لأنفسنا، كَمن يربت على كتف جاره أو يزور قريبه المريض، ولسان حالهما يقول “الحياة مملوءة بالمصاعب، وما تعانيه جزءٌ منها”، وهذا ليس تشاؤماً أو عدم امتنانٍ لما تهبه لنا الأقدار، أبداً.
معروفٌ أن السعادة لا ترتبط بشيءٍ واضحٍ أو مُحدد، وهناك نماذج كثيرة من أثرياء ومشاهير، يعانون الاكتئاب والإدمان بمختلف أشكالهما، رغم ما يُتاح لهم من وسائل الراحة والترفيه، وإن كانت مشكلاتهم، تختلف عما يعيشه آخرون، أو تبدو سخيفة للبعض، لكنها تتفاقم، كما حصل مراراً، لتنتهي بأشكالٍ مأسوية، ومع ذلك، يبقى للمال والشهرة، سطوتهما، التي تجعل البعض يُجاهر بخصوصياته وتفاصيل حياته الشخصية، أملاً بالمزيد من كليهما، هؤلاء يُشاركون الملايين، التخطيط لحفل زفاف وعيد ميلاد والسفر إلى بلدٍ آخر، وبعضهم ظنّ أن معرفة جنس مولوده القادم، وخلافات عائلته، أخبارٌ تهم الناس، فهل أصبحوا أكثر سعادة أو أقل هموماً؟، حقيقةً، لا يمكن ضمان أيٍّ من الاحتمالين “نعم” أو”لا”.
بالتأكيد، هناك من لا يعرف كيف يكون سعيداً، وبكلمةٍ أكثر دقة “مُطمئناً”، وفي كلتا الحالتين، يصعب لومه، ما دامت الظروف المحيطة، لا تمنحنا خياراتٍ أو مساحاتٍ، لنتغيّر أو نفكّر بطريقةٍ أخرى، على أن، ما يقوله المختصون، أملاً في تحويلنا إلى نسخ سعيدة، ولو قليلاً، يبدأ من محاولتنا التحدث بلطفٍ مع الآخرين، فربما يرتد إلينا، من شركاء الزمان والمكان والاحتياج، إلى جانب تقدير المتع البسيطة، كالاستماع إلى أغنية نحبها، أو زيارة بيت العائلة، وعدم الاستهانة بالإنجازات الصغيرة، كترتيب المنزل ومساعدة الجيران، وإلقاء التحية على من يتجاهلوننا، وفي الوقت ذاته، قرارٌ منا، بأن نُهوّن على أنفسنا، بدل معاقبتها، وكل ما حولنا يتفنن في ذلك.