محتاجو الأطراف الاصطناعية كثر .. مركز إعادة التأهيل البدني يدعم اقتصادياً
حلب – رحاب الإبراهيم :
يمسك “ساقه الاصطناعية” بيده كأنها لعبة والضحكة ترتسم على وجهه البريء، فالطفل الصغير ذو السبع سنوات ( محمد) الذي أصابته قذيفة وهو بعمر السنتين، وعلى إثرها بترت ساقه، لا يدرك حتى الآن واقعه، خاصة أن أمه الأرملة ذات “الولدين” سارعت إلى طرق الأبواب لمعالجته ومنع ابنها من الشعور بالعجز، ليكون خيارها الوحيد بعد عمليات جراحية عديدة هو تركيب طرف اصطناعي يمكّنه من عيش طفولته وهو المعروف بفرط شقاوته، وفعلاً كان لها ذلك بعد ما أرشدت إلى مركز إعادة التأهيل البدني التابع للجنة الدولية للصليب الأحمر.
تروي الأم ( رهف) تجربتها مع حال ابنها الصغير فتقول لـ”تشرين”: بعد معاناة طويلة بحثاً عن طريقة لتمكين ابني من عيش طفولته كباقي الأطفال، أرشدت إلى مركز إعادة التأهيل البدني، الذي تكفّل بعلاجه عبر متابعة حالته وتقييمها دورياً، خاصة أنه يحتاج إلى تبديل الطرف كل فترة لكونه طفلاً وينمو بصورة مستمرة ، لافتة إلى أن تركيب الطرف الاصطناعي بسرعة ساعده على التأقلم مع حالته لدرجة أصبح يركّب الساق وحده، مشيرة إلى أن المركز لم يساعد ابنها فقط ، بل مدّها بالدعم النفسي والاقتصادي أيضاً.
حالة الطفل محمد ليست الوحيدة، فهناك حالات إنسانية كثيرة فرضتها الحرب السوداء، حيث تؤكد السيدة منى شواخ “ربة منزل” لـ”تشرين” أنها اضطرت لبتر ساقها على إثر انفجار لغم في عام 2018، الأمر الذي استلزم تركيب طرف اصطناعي بديل لتتمكن من مواصلة حياتها، خاصة أنها أم ومسؤولة عن عائلة.
الحالات الإنسانية أولوية
لا تقتصر خدمات المركز على مصابي الحرب وتركيب الأطراف الاصطناعية فقط ، فالاحتياج كبير بسبب الحرب وآثارها، حيث للحالات الإنسانية الناجمة عن حوادث السير أو الأمراض كالسكري حصتها، إذ يروي الشاب سامر جمعة رحلة علاجه الطويلة بعد حادث سير تعرض له في عام 2000 سبّب له شللاً نصفياً، وهو لا يزال حتى اليوم مستمراً في العلاج الذي أوصله إلى مركز إعادة التأهيل البدني ، الذي قدم له بعد تقييم حالته كرسياً مدولباً، عدّل ليكون متناسباً مع حالته الصحية ، مشيراً إلى أن حياته ستتحسن إلى الأفضل مع اعتماد الكرسي، الذي سيمكنه من الاعتماد على نفسه.
وتروي الفتاة الصغيرة (هديل) ذات ال14 ربيعاً لـ”تشرين” قصتها بعد تشوّه خلقي أصابها في رجلها اليمنى، فتقول: أجريت 3 عمليات تجميل لتركيب مفصل في ظل نموّي المستمر، وبعد جلسات علاج فيزيائي في ” الهلال الأحمر ” أحلت إلى مركز إعادة التأهيل البدني التابع للجنة الدولية للصليب الأحمر، وبناء على حالتي قدم لي حذاء طبي ومسند مشي ولاحقاً كرسي متحرك، مؤكدة أن حياتها تغيرت إلى الأفضل بعد تقديم هذه التجهيزات التي ساعدتها على عيش حياتها بصورة طبيعية والذهاب إلى المدرسة بنفسها.
الاحتياج كبير
“تشرين” بعد جولتها في المركز الدولي لإعادة التأهيل البدني لأيام متواصلة التقت سوزي جزماتي – موظفة ميدانية
بقسم الصحة في المركز للوقوف على الخدمات المقدمة ، حيث أكدت أن المركز أنشىء في عام 2015 ضمن قدرة إنتاجية محدودة في ظل نقص الكادر الفني المدرب, وتحديداً الفنيين والمساعدين الفنيين مقابل الاحتياج الكبير من جراء الحرب وتداعياتها، لكن في عام 2020 وسع الكادر ليتمكن من استيعاب عدد أكبر من المستفيدين الذين وصلت أعدادهم حتى الآن إلى 2053 مستفيداً.
ولفتت جزماتي إلى أن أولوية تقديم الخدمات ترتكز على الحالات الإنسانية الناجمة عن الحرب وتداعياتها، لكن من الناحية الأخلاقية يصعب تجاهل حالات ناجمة عن بعض الأمراض كالسكري , علماً أن بعض الحالات قد تسوء بسبب تأخر الحصول على الرعاية الطبية من جراء تداعيات الحرب ، ما يجعلها أولوية أيضاً، إضافة إلى الأطفال والأشخاص المقيمين في مناطق بعيدة يصعب الوصول إليها وخاصة مع ارتفاع أجور النقل وتكلفته.
وبينت أن خدمات المركز لا تقتصر على تركيب الأطراف الاصطناعية وتزويد المحتاجين بالكرسي المدولب أو الأحذية الطبية، بل إن المركز يضم عيادة نفسية تقدّم المشورات النفسية الفردية أو الجلسات الجماعية لدعم المستفيد ومرافقه، إضافة إلى خدمات إعادة التأهيل الفيزيائي واستشارة طبيب، بالتعاون مع الهلال الأحمر والعيادة في مشفى الرازي لناحية الإحالة.
“سبل العيش”
وأشارت جزماتي إلى أن خدمات المركز تمتد إلى تأمين مصدر عيش للمستفيد الراغب عبر مشروع “سبل العيش” ، وذلك بمساعدته على تأسيس مشروعه الخاص، مشيرة إلى أن عدد المستفيدين من مشروع “سبل العيش” بلغ 266 عائلة “محالة” منذ عام 2016.
وشددت جزماتي على أبرز الصعوبات التي تعترض المركز , وتتمثل بالاحتياج الكبير مقابل القدرة الاستيعابية للمركز في ظل نقص الكادر الفني، والوصول إلى المستفيدين، خاصة أن الوضع الاقتصادي يمنعهم من القدوم إلى المركز، لذا يقدم المركز تعويضاً للمواصلات للمستفيدين الأشد ضعفاً، مع تخصيص سيارة للقادمين من المناطق
الريفية.
وأضافت : إن مواطنين كثراً لا يعرفون خدمات المركز، لذا نقوم بحملات توعية لهذا الغرض مع السعي إلى التوسع أكثر والعمل على تدريب عدد من الفنيين والمساعدين الفنيين لنتمكن من تلبية أكبر عدد من المحتاجين لخدمات المركز.
جهود كبيرة
وكان لـ”تشرين” وقفة أيضاً في أحد مراكز الإحالة المحدثة في مشفى الرازي، في سياق التعاون بين وزارة الصحة واللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر، حيث يعد هذا المركز أحد مراكز الإحالة الكثيرة المنتشرة في المدينة والريف، وهي مراكز تخصصية استطاعت تغطية مدينة حلب وريفها عبر توزيعها بشكل منظّم، وهنا يؤكد الدكتور محمود الطبال رئيس المركز أو كما يسمى عيادة التأهيل الفيزيائي والحركي في مشفى الرازي وجود جهود كبيرة في هذا المجال لدرجة استطاعت الفرق التابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر الوصول إلى بيوت المحتاجين بتخصيص سيارات لهذا الغرض.
وبيّن الدكتور الطبال أنّ مركز الإحالة المحدث في مشفى الرازي يتميز عن غيره من مراكز الإحالة لكونه موجوداً ضمن مشفى يعد الأول جراحياً، وبالتالي هو قادر على تنفيذ إجراءات وليس تمارين التأهيل الفيزيائي والحركي فقط، لافتاً إلى وجود خطط ليصبح مركز الإحالة قادراً على القيام بإجراءات لاحقة لتركيب الطرف وليس الاكتفاء بالإجراءات السابقة لذلك، موضحاً أنه عموماً عندما تنطبق على المريض المحتاج إلى تركيب طرف اصطناعي المعايير المحددة يحال مباشرة إلى مركز إعادة التأهيل البدني التابع للجنة الدولية للصليب الأحمر من أجل تركيب الطرف الاصطناعي له أو تقديم الخدمة المتناسبة مع حالته.
وشدد الدكتور الطبال على وجود احتياج كبير لتركيب الأطراف الاصطناعية من جراء تداعيات الحرب، لكن المشكلة تفاقمت بعد انتهاء الحرب وفتح المناطق ، حيث تدفق عدد كبير من الناس المحتاجين لتركيب أطراف اصطناعية، فلا يقتصر ذلك على الحالات الحربية رغم أعدادهم الكبيرة سواء كان بوجود بتور ام من دونها، حيث يوجد مرضى القدم السكرية والشلل الدماغي والأعصاب وإعادة تأهيل لمرضى المفاصل.
وأكد الدكتور الطبال أنه رغم الجهود الكبيرة المبذولة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر لكن يجب تقديم الدعم من كل الجهات لتوسيع نطاق الاستفادة لأكبر عدد ممكن من المحتاجين ، فاليوم هناك طوابير من المواطنين ينتظرون الحصول على دور من أجل تركيب أطراف اصطناعية تساعدهم على مواصلة الحياة بشكل طبيعي، ما يستلزم تعاوناً وجهوداً أكبر من كل الجهات لتحقيق هذه الغاية الإنسانية.
ت-صهيب عمراية