“يا حرام.. مجنون”
يتجاهل الركاب جميعهم، الكرسي المكسور، في باص النقل الداخلي، إلى أن يتجاوز عددهم سريعاً، الكراسي الموجودة، حينها سيضطر أحدهم، للجلوس بظهرٍ منحنٍ، ومن ثم سيليه آخرون لا خيارات أمامهم، لأيام وربما لأشهر، إلى أن ينضم الباص نفسه لمجموعة من الآليات المرمية في ساحةٍ ما، الأمر نفسه ينسحب، على مواقف الانتظار، ففي حال وُجِدت أصلاً، سينقص منها، المقعد أو جزء منه، وعلى الأغلب ستكون عبارة عن قطعتي خشب وحديد، بلا سقفٍ، يحمي رؤوس المُنتظرين، من ضربة شمس، أو حالة إغماء، أو على الأقل يُساعدهم في الاستعداد، للركض في حال لمحوا وسيلة نقلٍ ما، قادمة باتجاههم.
بالتأكيد، من صمم أشباه المواقف، ومن أدار نظره عما بقي من الكرسي، يعرف جيداً، معنى ما فعله، وهو ما يعرفه أيضاً الآلاف، حين يرمون بقايا الطعام وأي شيء يصل إلى أيديهم في الشوارع، هؤلاء أمهات وآباء، يُفترض أنهم قدوة لأبنائهم، من بينهم كذلك، صبايا وشباب، عددٌ منهم أصحاب شهادات ومِهن، لايروقهم المشهد المكرر لأكوام القمامة، في الحارات وأمام مداخل الأبنية، والذي يُمكن رؤيته أيضاً أمام النوادي الرياضية والمراكز الثقافية، ومختلف المؤسسات والهيئات، من دون استهجانٍ أو شعورٍ بالغرابة والتناقض، وكأنّ الأمر طبيعي، وربما من غير الطبيعي، التفكير في تلافيه أو التخفيف منه، طالما أنه أصبح جزءاً مما هو قائمٌ حولنا.
لم نسمع منذ أعوام، عن مجموعةٍ ما، جيران في السكن، أو زملاء عمل، نظّفوا شارعاً أو حارة، على أننا نرى يومياً، نظرات استعلاءٍ وقرف تجاه عمال النظافة، وفي أحسن الأحوال تعاطفاً موسمياً، لا معنى له، طالما أن إحداهن، تفرض على أبنائها تعقيم أيديهم قبل فتح أكياس الشيبس وبعد تناولها، ومن ثم ترميها على دفعات، بلا أي شعورٍ بالذنب، أو على الأقل بالخجل، تماماً كما تفعل أخرى، تضع كيس القمامة، على بعد مترين من الحاوية، خوفاً على ثيابها، في حين تبقى حكاية قريبنا العائد إلى البلاد في زيارةٍ قصيرة، هي الأكثر إيلاماً، فهو لم يفهم كيف نفعل بشوارعنا وحياتنا كل ما سبق، فحمل كيساً ومقشة، وبدأ الكنس، ويبدو أنه قطع مسافاتٍ من دون أن يشعر، إلى أن سمع صوتاً يقول “يا حرام.. مجنون”!.