نضوب الموهبة وغياب القصيدة لماذا يؤرّقان الشعراء وحدهم؟!

نضال بشارة:
لماذا الشعراء أكثر من غيرهم بين الأدباء يؤرقهم نضوب موهبتهم، أو أن يمسوا بلا قدرة على الكتابة، حتى إن مرّ وقت ولم يكتبوا فيه نصاً جديداً؟, إذ إننا لا نسمع مثل هذه الشكوى من كتّاب القصة أو المسرحية أو الرواية، مهما طال توقفهم عن الكتابة، مع أخذنا في الحسبان الفرق بين مدة إنجاز كل عمل أدبي عن الآخر, ماذا عنكم كيف تؤرقكم هذه المسألة وعلى أي نحوٍ تعاملتم معها؟
«الكتابة من الصفر»
يلقي هذا الموضوع الضوء على الاختلاف الجوهري في العملية الإبداعية عند كتابة القصيدة، عنها في الأعمال الإبداعية السردية، وفق رؤية الشاعر “صقر عليشي”، الذي يتابع إجابته عن سؤال«تشرين» قائلاً: إذ إنه لدى كتابة الأعمال السردية يكفي أن تكون لديك فكرة بسيطة عن العمل لتبدأ بتجميع مادة من المصادر ووضع مخطط لما ستكتب، معتمداً على رصيدك المعرفي، ومن بعدها ستبدأ في الإنجاز حسب مقدرتك وطريقتك، لذلك يكون الخوف من الانقطاع في حالاته الأدنى، ويرى أننا ” في الشعر نكون أمام حالة مختلفة، لا يعنينا فيها الرصيد المعرفي، ولا الاعتماد على المصادر, ونكون وجهاً لوجه أمام الفراغ والمجهول، لا صور تتبين لنا، ولا علامات ترشد أو تدل على اتجاه ما، ولا توجد حتى بداية معالم لطريق ستسلكها, ننتظر المفاجآت التي قد تأتي، وقد لا تأتي”, ويستمر الشاعر عليشي بالحديث عن آلية كتابة الشعر “تأتي الصورة الجديدة من دون أي علم مسبق بها. كذلك الكلمة.. أو الجملة، كل شيء يولد للتو، ويكون العمل في القصيدة على خطوط عدة، متوازية متزامنة، ويحتاج النجاح إلى توافق وتناسق عدد من المسائل مع بعضها البعض, وهذا يكون لدى كتابة الموزون، أو قصيدة النثر”, ويبوح عليشي قائلاً : مصدر الخوف يكون من هنا، لأنك في كتابة كل قصيدة، تبدأ دائماً من الصفر… وأنا شخصياً عشت هذا الخوف والأرق، إذ انقطعت عن الكتابة نحو عقد من الزمن لم أستطع خلالها كتابة ولو مقطع شعر صغير.
«انتظار الضوء»
وتفسير ذلك لدى الشاعرة بسمة شيخو أن الشعر هو الوحيد الذي يملك شياطين تسكن وادي عبقر؛ أو أنه كالوحي يتنزل على أحدنا, فالشعر يحتاج الصنعة بحدود بسيطة، إلّا أنه بمجمله مشاعر وأفكار معجونة بالدهشة؛ وغياب الشعر يستدعي الخوف، فذاك يعني أولاً أن لا وحي سيأتيك كآخر الأنبياء، ولا قرين سيزور لياليك؛ وستصبح ترى الأشياء بسذاجة الواقع, نعم يغادر الشعر من دون وداع ومن دون اتصالٍ هاتفي يخبره بموعد عودته».
والشاعرة بسمة يخيفها هذا الأمر، لكن ما الذي يطمئنها تقول: “يطمئنني من حولي بأن الشعر راقد داخلي فقط، أحاول استفزازه ليصحو بمحاولات كتابية باهتة سرعان ما أرميها، لكنه ثقيل النوم لا يصحو إلا عندما يريد، أسلي نفسي بأشياء غيره لكنه يبقى غصة حتى يعود, مثل هذه المخاوف تكون أقل عند الروائيين والقاصين والمسرحيين لأن التفكير يحتل الجزء الأكبر من عملهم الأدبي، فهناك تنظيم ومنهجية بينما الوحي وما يرتبط به من خيال ودهشة يحتل الجزء الأصغر, وتالياً هم مسيطرون على عملهم لا يخيفهم بهتان صوت الوحي في آذانهم, إضافة إلى أن العمل الروائي من الممكن أن يستغرق سنوات، ينقطع فيها الكاتب عن الكتابة لفترات من دون أن يؤثر هذا الانقطاع على روايته؛ بينما الشعر يأتي دفقة واحدة تكتب بدقائق معدودة”, وتختتم بسمة إجابتها: ستظل هذه الشكوى لصيقةً بالشعراء، وسيظل غياب الشعر عمن عرف حلاوته مثل العمى لعينٍ عرفت البصر، فهل يلام الأعمى على فرك عينيه كل صباح وانتظار الضوء”.
«الخوف من الغياب»
السؤال دقيق، وواقعيّ، في نظر الشاعر إياد خزعل، أما أسباب القلق من نضوب الموهبة فيعزوها إلى ” الخوف من الغياب عن المشهد الشعري، وعن الجمهور، أو الخوف من التلاشي أو الاندثار، وهذا يكون لدى الذين يشكّون في عمق موهبتهم”, ولا ينكر خزعل أنّه قد مرّ بحالاتٍ مشابهة مرّاتٍ عديدةً، وانتابه قلقٌ ما، ويسرّ لنا ” لكنّني لم أحاول افتعال نصٍّ لا يمثّلني، وكنت أعيدُ النبضَ إلى ذاتي من خلال قراءةِ أشعارٍ أعتقدُ بدهشتها، ولا أكتبُ إلاّ حين أشعر بدافعٍ قوي يعيدني للكتابة، وربّما أكتب ما أراه أعمق ممّا كتبتُ من قبل، محاولاً ألاّ أكرّر نفسي قدر المستطاع”. ويستشهد الشاعر خزعل بقول الشاعر الأمريكي سيلدن ريدمان: ” إنّ الفنّان كصَدَفة المحار لا يُخرج عصارته الثمينة إلاّ عندما يحرّكه إلى درجة كافية عاملٌ خارجيّ: فكرة ذات شحنة عاطفية مثلاً؛ لذلك لا بدّ للشاعر من أن ينغمس في تجربته إلى الحدّ الأقصى، أمّا إذا أخذته الحياة في متاهاتها، وصار البحث عن مقوّماتها شغلَه الشاغل، فإنّ الموهبة تخمد ولا تنطفئ؛ لذا يكون عليه أن يعيد اتّقادها بالقراءة العميقة”.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار