حين يُزهر الليمون
يُصنف النقاد رواية (سنوات تدريب فيلهلم مايستر) التي نشرها غوته سنة 1796م على أنها ثاني أهم رواياته بعد (آلام فرتر).. تلك الرواية التي تحكي قصة لطالما تكررت في مدونات الكثير من الشعوب، حكاية ذلك الغني الذي يزهد بالمال والجاه وينحاز للطبقات الفقيرة مُتتبعاً نداء قلبه، في هذه الرواية لـ«غوته»؛ ثمة ثريٌّ ألماني يدعى «فيلهلم» الذي ينفصل عن مجتمع البرجوازية ليعيش حياة التنقّل والأسفار، حيث يلتقي خلال ترحاله وتجواله الكثير من الناس، غير أن الفتاة الإيطالية (ميغـنون) ذات الثلاثة عشر ربيعاً؛ هي من ستصيرُ كلَّ اهتمامه حيث يؤلف لها الأشعار لتُغنيها بكامل حزنها وحنينها، وميغنون كانت قد اختطفتها فرقة سيرك وعرّضتها لسوء المعاملة، فيتولّى فيلهلم رعايتها ويتعلّق بها إلى درجة كبيرة.. وتتضمَّن هذه الرواية مجموعةً من أبرز قصائد غوته تصدر على لسان بعض شخصياته، هي في مجملها أشعار غنائية من بينها إحدى أشهر قصائده على الإطلاق، وهي تلك التي تنشدها ميغـنون في حنين إلى وطنها الأصلي إيطاليا وتقول فيها :
أتعرفُ الأرضَ حيث يزهرُ الليمونُ؟
وعندَ ورق الشجر الداكنِ يزهو برتقالٌ ذهبي،
ونسمةٌ عليلةٌ من السماءِ الزرقاءِ تجري
والآسُ ساكنٌ والغارُ سامق يستوي
أتعرفها جيداً؟
هناك، هناك
أتوقُ يا حبيبي معاً لنمضي.
هذه القصيدة نالت الكثير من الشهرة الواسعة وقامَ العديدُ من كبار الموسيقيين بتلحينها منهم: بيتهوفن، شوبرت، ولف، شومان وآخرون, حيث تحيطُ بميغـنون هالةٌ من الغموض ولاسيما بإنطواء شخصيتها على كآبةٍ عميقة ناجمة عن قسوة الاختطاف والذهاب بها بعيداً عن موطنها إيطاليا الذي انتزعت منه, كما أن طبيعتها المثيرة التي تمتزج فيها صفاتُ الحيوية، العفوية، القوَّة، الحدس والبراءة كانت تجذبُ الآخرين إليها كما تجذب القراء والكتاب والملحنين. تنشد ميغنون:
لا تَسَلني الكلامَ، بل أطلب الصمتَ منّي
فــإنَّ سِـــــرّي كالــعَــهــدِ عـــنــدي؛
أودُّ إطــلاعَـــكَ عـلـى كــلِّ خَــلَــدي،
لـكــنَّ الــقــدَرَ كَـــذا لا يــبــتــغــي.
ما أودّ الإشارةَ إليه؛ هي الحالة الشعرية في الرواية، ليس بمعنى الرومانسية والشاعرية التي تسودُ أجواءَ الرواية، وهي كثيرة في تفاصيلها، وإنما النصوص الشعرية التي تضمنتّها هذه الرواية والتي أغوت كبار المؤلفين الموسيقيين لتلحينها، والتي قد تكون من الحالات النادرة أن تُضاهي فيها الرواية الدواوين الشعرية..