إسماعيل: السينما فن زمني بملامح بصرية
حوار: ميسون شباني:
يبدأ الحدث من دمشق، وتحديداً من إحدى الحرف الدمشقية القديمة، تُنسج الحكايا عن مصائر ناس مرتبطة بأناس آخرين وقضايا اجتماعية متشابكة، والكثير من القصص التي يقدمها الفيلم الروائي الطويل “حي المنازل” بالتقاط سينمائي مبدع للمخرج غسان شميط العائد لشغفه بعد غياب ستة أعوام عن السينما، ويلعب بطولة الفيلم كلٌّ من: زهير عبد الكريم، رنا جمول، ميلاد يوسف، علا الباشا، يوسف المقبل محسن غازي، محمد شما.. وآخرون. الفيلم سيناريو وحوار الكاتب الصحفي سامر محمد إسماعيل الذي خصّ«تشرين» بالحديث عن عوالم فيلمه الجديد:
* قصة الفيلم مأخوذة عن رواية “أطلال أم كلثوم” للأديب والروائي فيصل خرتش كيف تمت معالجتها عبر السينما؟
هذا الأمر، تمّ بدعوة من المخرج السينمائي غسان شميط سنة 2015 وانطلقنا من هذه الرواية لتأسيس وكتابة سيناريو الفيلم، وأردت أن أطل من خلال هذا النص على دمشق خلال السنوات الأولى من الأزمة الحالية من خلال حكاية أسرة سورية تعيش على مهنة صناعة البوظة الدمشقية، وهي مهنة وحرفة قديمة، ومن خلال الأسرة نطل على واقع دمشق، وعلى تنوّع هذه المدينة التي كانت عصية على كل ثقافات الظلام وثقافة الموت، و”حي المنازل”؛ هو بمثابة تحية لدمشق، هذه المدينة الخالدة، وهي الأقدم في العالم ضمن قالبٍ درامي حكائي نحاول من خلاله أن نقدم سينما معاصرة.
«حي المنازل» مطلع قصيدة لـ”جرير”، سرّ الارتباط بين القصيدة ومضمون الفيلم؟
هناك علاقة مع بطلي الفيلم، وهما شاب وفتاة يافعان بعمر الصبا، اخترت مطلع هذه الاسم كنوع من التحية لـ”دمشق” وهي قاطرة الوعي العربي، المدينة التي استطاعت أن تستوعب كل الثقافات، وكل الشرائح الاجتماعية، وأن تصوغها على منوالها
الغوص بحكايا دمشق عبر إسقاطات وإشارات معينة، لماذا اخترت حرفة صناعة البوظة؟.
منذ اللحظات الأولى لكتابة النص، حاولت أن أؤسس لمناخ جمالي، وأفرش مساحات للكاميرا، ولعمل المخرج، وهذه الصنعة أو الحرفة الدمشقية الأصيلة حاولت من خلالها أن أطل على أجواء جمالية موجودة في البيت الدمشقي وفي الأسواق، وأن أقدّم ما يُشبه التوثيق لهذه الحرفة، والحقيقة أنني بحثت كثيراً لهذا الموضوع، وهو يقدم قراءة أولى وأولية للفترة الأولى للأزمة؛ أين كنا كسوريين وأين أصبحنا، والقصة هي التي تقودنا من خلال البطل “سالم” والبطلة “ملك”، كيف يتعارفان على بعضهما، وكيف ينمو هذا الحب ويصل ويكمل رغم كل المعوقات ورغم قسوة العرف والطقس الاجتماعي، وحاولنا عبر الحكاية إظهار المكان وأن يكون بطلاً في تفاصيل الفيلم، فليس من المعقول أن تكون “حارة الضبع” أشهر من ساحة المرجة التي هي الموقع الأساسي لحكايا الفيلم، وهي ساحة الشهداء، ومركز لدمشق وحواريها القديمة وأسواقها وأشهرها سوق الحميدية، فكل العناصر التي يتألف منها الفيلم هي عناصر فاعلة لكن على رأسها السيناريو الذي هو أساس الفيلم، وأتمنى أن ينظر إلى كاتب السيناريو بشكلٍ أكثر إنصافاً خاصة أن السينما لها وضع معين في بلدنا فلا توجد غير صالتين، وهذا يُصعّب المهمة، فالأفلام المنتجة للأسف يوضع معظمها في الدروج، ومؤخراً وجدنا بعض الأفلام على اليوتيوب، ولا أعلم من يقوم ببيع الأفلام السورية وينشرها على «اليوتيوب»، وهناك أفلام حديثة الإنتاج لم تعرض ولم تشارك في أي مهرجان، وهي كلفت الدولة السورية والمؤسسة العامة للسينما الملايين، ومن الضروري أن يتم التنويه لذلك، فمثلاً فيلم “يحدث في غيابك” الذي كتبته وحمل بصمات المخرج سيف الدين سبيعي لم يشارك في أي مهرجان، والآن هو موجود على اليوتيوب، فمن هي الجهة التي تُسرّب الأفلام غير المعروضة والتي لم تشارك في أي مهرجان أو أي فعالية سينمائية، لماذا هذا الاستهتار بالعمل السينمائي، ومشكورة مؤسسة السينما على ما تقوم به، فهي الجهة الوحيدة التي تنتج سينما في البلد، ومع ذلك أتمنى على إدارة المؤسسة أن توضح لنا عن كيفية تواجد هذا الفيلم على اليوتيوب؟
ماذا عن تعاونك مع المخرج غسان شميط؟ *
الأستاذ غسان صاحب تجربة كبيرة، وله العديد من الأفلام المهمة، وله باع طويل في الأفلام والأفلام الوثائقية، ولكن للأسف تمت تلفزة المخيلة السورية لسنوات طويلة وعمل التلفزيون عمله، وهناك رعي تلفزيوني جائر للمخيلة السورية، وفيلم السينما هو صاحب هذه المخيلة، وهي آخر حصن من حصون العقل، فإذا فقدنا المخيلة ماذا يبقى لنا؟ يبقى لنا هذا الفيديو، ومع احترامنا للتلفزيون، فإن فن السينما هو الأبقى، وحتى السينما هناك منافسة قوية لها من قبل المنصات الإلكترونية التي تنافس هذا الطقس الاجتماعي أي عدم مشاهدة الفيلم بالصالات، وأؤكد أنه يجب مشاهدته في الصالات لأنه طقس فرجة جماعي يجب الحفاظ عليه.
* هل هناك اختلاف في مزاج الكتابة بين السينما والمسرح والتلفزيون؟
** لكل نوع شرطه الفني، فالمسرح قائم على الحوار، والحوار يجب أن يكون درامياً، ويعّبر عن الشخصيات، ويكشف ماضي القصة، فلا زوايا كاميرا ولا لقطات ولا مؤثرات، أما في السينما فمعظم المشتغلين فيها يعتقدون أنها فن بصري قائم على جمالية الصورة، وهذا غير صحيح، السينما فن زمني له ملامح بصرية، فيما التلفزيون له شرطه الخاص عبر 30 حلقة، شرط صعب له علاقة بالسوق وبنوعية الجمهور المستهدف، وبطبيعة من يتحكم بالسوق، واعتقد أن الفن التلفزيوني الراقي الذي قُدّم حتى نهاية التسعينيات؛ كان دراما تلفزيونية سورية صرفة، هذا الشيء لم نعد نشاهده حتى المؤسسات الوطنية التي تنتج، صارت تُفكّر بمزاج السوق، لذا نحن بحاجة غسان شميط، عبد اللطيف عبد الحميد، ومحمد ملص، وباسل الخطيب وكل هذه الأسماء تحاول تقديم شيء مختلف للسينما السورية، وحلم لمدينة سورية بعيدة عن ثقافة الخناجر المتداولة في أعمال البيئة الشامية، أو ثقافة البحث في حاويات القمامة، وبعيدة عن الأعمال ذات العقلية الرجعية التي ساهمت في تزوير المدينة السورية ومحاولة طمس حقيقتها.