الدراما السورية.. تتأرجح بين قوَّة النص والمبالغة في الأداء
بارعة جمعة:
بالرغم من الصعود القوي لمؤشر الأعمال الدرامية ووصوله إلى حدود الآمال المرهونة له من الجمهور، لايزال المشاهد يعاني من سوء تقدير الأهداف التي وُضِعت لها هذه الأعمال، سواءً في تصحيح مسار بعض الانحرافات التي لامستها بشكل مباشر على صعيد حياة المواطن اليومية، والعمل على تصويب الأخطاء التي تعاني منها كل قطاعات الأعمال الأخرى، وبمختلف الاتجاهات.
طرح إيجابي
ولأن ما يتم انتقاؤه من موضوعات جديرة بالحديث عنها وتسليط الضوء عليها من صُنَّاع الدراما، بغية الوصول للهدف المنشود في إعطاء القضايا حجمها الطبيعي من الاهتمام والنقد البنَّاء، ومن ثم المطالبة بوضع حلول للكثير من المشكلات والأزمات، تطالعنا العديد من الانتقادات اللاذعة لطريقة التعاطي بأسلوب الجرأة الواضحة أحياناً في إعطاء كل شيء مُسمَّاه الحقيقي، وعدم إغفال الطرف المُتهم على حساب الضحية.
إلا أنه وأمام كل ما نعانيه من انحرافات شخصية واجتماعية تتبعها سلوكيات مؤذية بحق الفرد والمجتمع، لاتزال فكرة الجرأة في الحديث عن موضوعات تحاكي هموم الشباب وما تعانيه بعض القطاعات من فساد واضح في أسلوب عملها، واللجوء الى تغليف الحقائق بأسلوب التخفيف من حدة الطرح الموجه لأشخاص أو جهات محددة، نجد أن الأغلبية يُلقون التُهم جُزافاً من دون العودة لمسببات هذا الأمر ونتائجه الكارثية على الجماعة وليس الفرد بحد ذاته وهو ما بات ظاهرا بشكل علني.
حلقة مفقودة
وبين جرأة الطرح وتفريغ المضمون نجد أن هنالك حلقة مفقودة تهم الجميع، وهي مواجهة الحقائق وتسمية الأمور بمسمياتها الحقيقية، وقبول النظر بعين التوازن لما تلامسه الدراما من قضايا يتطلب الغوص فيها الوصول للعُمق وملامسته بشكل مباشر من دون التخفي بحجج تقليدية وغير مُقنعة، حيث لابُدَّ بالنهاية من التأقلم مع مفهوم الجرأة التي باتت مطلوبة في واقع كل ما فيه يرفض مبدأ الأقنعة والتماهي بصورة أننا بخير.
وفي العودة إلى قوة النصوص وتلازمها تبرز ضرورة إبداء العنصر السلبي لأي قضية، من دون انتظار أي ردود أفعال تثير الدهشة أو تدفع بالعمل لنيل مراتب أولى من اهتمام الجمهور، الذي بات بانتظار أي شيء جديد أو يتمتع بعنصر الغرابة، والذي لم يعد جديداً عن أي شيء يمارسه ضمن حياته اليومية.
خطوط حمراء
ولأن ماتقوم به المسلسلات التلفزيونية من تأثير مباشر على الجمهور ودخولها إلى المنازل ومحاكاتها لكل الأعمار، فمن الطبيعي أن تضع لنفسها حدوداً، منعاً لخدش مشاعر وحياء الجمهور المتابع بلهفة وشوق لكل ما تحمله هذه الأعمال من أفكار تتلاقى في كثير من الأحيان مع تطلعاته، بينما تبتعد عن دائرة اهتماماته وقناعاته أحياناً أخرى، ما يُفسره الجدل الكبير حول مشاهد عدة تم عرضها مؤخراً التي دفعت الشارع للانقسام إلى فريقين، لحساسية القضية المطروحة ضمن مشاهد ساخنة، لم تلقَ قبولاً لدى البعض، ممن اعتبرها ترويجاً لمثل هذه الأفكار والسلوكيات التي تبتعد كثيراً عن أصول التربية في المجتمع العربي، لكونه أكثر حساسية في علاج قضايا جدليَّة تختلف درجة تقبلها تبعاً للبيئة التي تتم مخاطبتها
وإذا أردنا الخوض في المعنى الحقيقي للجرأة الدرامية فلابد من النظر لزوايا الموضوع الذي بات واسعاً ولا يمكن اختصاره بمشهد أو فكرة مؤقتة من الممكن الاستغناء عنها بمحاكاتها بأسلوب أقرب لعقلية المجتمع، وذلك مع الأخذ بعين الاعتبار عدم إغفال حاجة الجمهور للدقة في طرح أي قضية شائكة والعمل على تلافي الثغرات التي من المتوقع حدوثها بعد العرض.