الأمة العربية ومواجهة مشاريع التقسيم والتفتيت
الدكتور: محمد سيد أحمد
لم يكن مسمى “الربيع العربي” بريئاً لذلك أطلقنا عليه مبكراً “الربيع العبري” لأننا أدركنا أن المسمى جاء جاهزاً من خارج مجتمعاتنا كالوجبات السريعة التي تعدها المطاعم الأمريكية العابرة للقارات والمحيطات والمنتشرة في مجتمعاتنا العربية كالوباء رغم أضرارها على صحة شعوبنا.
وبما أننا نؤمن أن الثورات لا يحكم عليها إلا بنتائجها فلا يمكن أن نعتبر ما حدث داخل مجتمعاتنا العربية ربيعاً عربياً لشعوبنا الثائرة من أجل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية, بل النتيجة الفعلية هي مزيد من المعاناة والقهر والظلم الاجتماعي للأغلبية العظمى ممن خرجوا مطالبين بإسقاط النظام في بعض الدول التي عانت في ظل أنظمة حكم تابعة, والنتيجة الفعلية والحقيقة الوحيدة الدامغة هي أن الصراع العربي– الصهيوني قد تحول إلى صراع عربي– عربي ليس على مستوى الأقطار العربية وبعضها البعض بل على مستوى كل قطر عربي, ويمكن التأكيد بما لا يدع مجالاً للشك أن القضية الفلسطينية التي كانت تجد لها ظهيراً اجتماعياً داخل العديد من الدول العربية التي أنطلق فيها الربيع المزعوم قد انتهت, حيث يقف العدو الصهيوني اليوم متفرجاً على ما يحدث من خراب داخل مجتمعاتنا العربية, لذلك فالربيع ربيعاً عبرياً بامتياز لأن نتائجه كلها قد صبت في صالح العدو الصهيوني.
وبتسليمنا أن هناك مخططاً أمريكياً– صهيونياً كان جاهزاً ومعداً مسبقاً لتقسيم وتفتيت الوطن العربي, تحت مسمى الشرق الأوسط الجديد أو الكبير, استغل الحراك الشعبي العفوي إلى جانب الأجندات الداخلية التي تعمل لصالحه لتأجيج الصراع الداخلي, لذلك أكدنا أيضاً ومنذ البداية أن هذا المشروع التقسيمي والتفتيتي لديه أدوات في الداخل العربي لإنجاز مشروعه وأحد أهم هذه الأدوات هي الجنرال فتنة طائفية وعرقية ومذهبية بل فكرية وسياسية وطبقية, وهي من الأدوات الفاعلة التي تؤدي إلى تقسيم وتفتيت النسيج الوطني الاجتماعي بشكل يصعب معه إعادته إلى سيرته الأولى, فهي نيران سريعة الاشتعال يصعب إخمادها بسهولة.
وبالطبع لكل مجتمع عربي وصلت إليه المؤامرة الأمريكية– الصهيونية خصوصيته وتركيبته الديموغرافية الفريدة وبالطبع اقتصر المشروع التقسيمي في تونس على الخلاف الفكري والسياسي والطبقي, في حين اعتمد في مصر إلى جانب الخلاف الفكري والسياسي والطبقي على الورقة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين لشق النسيج الوطني الواحد المتماسك والمتعايش تاريخياً, وفي ليبيا اعتمد على الورقة القبلية والعشائرية لتأجيج الصراع وتقسيم وتفتيت النسيج الوطني الاجتماعي, وهي نفس الورقة التي استخدمها في اليمن بجوار الورقة المذهبية إلى جانب الخلافات الفكرية والسياسية والطبقية, وبالطبع تأتي سورية بتركيبتها ونسيجها الاجتماعي المعقد لتبرز الورقة عينها في محاولة لضرب نسيجها المتماسك والفريد, وبالطبع لا يمكن أن ننسى كيف قام هذا المشروع بتجريب هذه الأداة الفاعلة لضرب النسيج الوطني الاجتماعي من قبل في لبنان والصومال والسودان والعراق.
وإذا كان مشروع الوحدة الوطنية والقومية هو المشروع المضاد للمشروع التقسيمي والتفتيتي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وكيانها الصهيوني ضد مجتمعاتنا العربية, فإنه من الضروري أن نبتدع أدوات وآليات للمواجهة وهنا تبرز المصالحة الوطنية كأحد أهم الأدوات والآليات الفاعلة لمواجهة وترميم ما أفسده الربيع العبري على مستوى الوحدة الوطنية, وبالطبع لكل مجتمع عربي خصوصيته البنائية والتاريخية وتركيبته الديموغرافية الفريدة لذلك لابدّ أن تأخذ المصالحة الوطنية شكلاً مختلفاً من مجتمع عربي إلى آخر، فنموذج المصالحة في تونس, غيره في مصر, غيره في ليبيا, غيره في اليمن, غيره في سورية, وبالطبع غيره في لبنان والصومال والسودان والعراق.
إذاً المصالحة الوطنية ضرورة حتمية لمواجهة المشروع التقسيمي والتفتيتي من أجل لمِّ شمل النسيج الوطني المتهتك بفعل المؤامرة الأمريكية – الصهيونية, لكننا نؤكد أن هذه المصالحة الوطنية لا يمكن أن تشمل من تلطخت أيديهم بالدماء, وبعد ترميم ما أفسده الربيع العبري يمكننا أن نبدأ فوراً في البحث عن أدوات وآليات جديدة لتحقيق حلم الوحدة العربية الوسيلة الوحيدة القادرة على المواجهة والصمود في عصر التكتلات الدولية الكبرى التي تحاك فيه المؤامرات ضد مجتمعاتنا المقسمة والمفتتة, اللهمَّ بلغت، اللهمَّ فاشهد.
كاتب من مصر