هل كتّاب القصة أقلّ نرجسيةً من الشعراء والروائيين؟

نضال بشارة:
قد يبدو أن من يكتب القصة القصيرة أكثر تواضعاً ممن يكتب الشعر أو الرواية، إذ نادراً ما نشهد من قاصٍّ أو قاصة هذا الافتخار بالذات حدّ التضخم، وكأن أغلب الذين يكتبون الشعر أو الرواية، يقدّمون لنا وصفات يومية للحياة لا يمكننا أن نستغني عنها، وتالياً فهم يضربوننا “منيّة” لكونهم شعراء أو روائيين، على خلاف من نعرفهم من كتّاب القصة القصيرة, يحاول الاستطلاع التالي مع القاصين ” نور الدين الهاشمي، فدوى العبود، روعة سنبل” أن يتلمس أسباب تضخم الذات لدى الشعراء والروائيين، وأسباب تواضع كتّاب القصة، إن صحت ملاحظتنا طبعاً. معاً نقرأ:
الآخر الصدى!
الأديب الهاشمي يستهل إجابته بالإشارة إلى ما أنشده المتنبي عن أناه وردّده في كثير من أشعاره ” أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي ….” وأيضاً ” أنا الطائرُ المحكيّ والآخر الصدى….”. ثم يتساءل : هل ورث شعراؤنا هذه الأنا المتضخّمة عنه وعمّن سبقه من شعراء الفخر ؟. وهل موهبة الشعر والرواية بحاجة إلى هذه الأنا المتضخمة حقاً؟ في رأيي يبقى التعميم خاطئاً في القول عن تضخم ونرجسية معظم الشعراء والروائيين فهذا بحاجة إلى دراسة وتدقيق, وتبقى الظاهرة إن وجدت في نظر الهاشمي “ظاهرة مرضية ودليل خوف ودفاع سلبي ضد أيّ نقد, ورفض واعتراف بفضل الآخرين, ودليل شخصية هشة ضعيفة تحيط نفسها بسور الأنا المتضخمة لتحمي هذه الذات التي سرعان ما تسقط في الانفعال والغضب والعصبية وانفجار المشاعر الكامنة عند أول نقدٍ مهما كان بسيطاً”.
إكسير الحياة
أمّا القاصة ” روعة ” فترجِّح أن قدراً من النرجسية أو حبّ الأنا قد يكون مطلوباً في العملية الإبداعية، وكل مشتغل في الفن يحتاج في لحظة ما إلى حبِّ ذاته وما تنتجه هذه الذات كي يقتنع أن عليه مشاركة نتاجه مع المتلقي، لكن هذه الأنا قد تتضخم أحياناً إلى درجة شبه مرَضية، تجعل الشخص يعتقد أنه يتفضل علينا ويقدم لنا بفنه إكسيراً للحياة, كما ترى “روعة” أن وسائل التواصل سنحت لنا فرصة التنبّه لهذه الظاهرة بوضوح، ليس فقط من خلال منشورات هؤلاء الأشخاص بل أيضاً من خلال طريقة تعاطيهم مع الآخرين, فهي تتذكر: ” قرأت منشوراً لأحد الروائيين منذ أيام يخبرنا من خلاله أنه “إله السرد”، ومنذ ثلاثة أعوام تقريباً راسلني شاعر هو مدير تحرير واحدة من المجلات الأدبية وطلب مني قصة، قال وقتها ممازحاً: “لدينا ملف عن كذا، وأنا اخترتكِ فاستمعي لما يوحى!, ثم تقول: ” حين طرحتَ عليّ السؤال تذكرت هاتين الحادثتين وحوادث أخرى كثيرة مشابهة، استعرضت لي ذاكرتي بعض متضخمي الأنا الذين صادفتهم وتعاملت معهم ومن ضمنهم بالطبع قاصون، ويمكنني أن ازعم أن الظاهرة غير مقتصرة على المشتغلين بجنس بعينه، بل لها علاقة بالأشخاص أنفسهم”.
فخ التعميم
وتتمنى القاصة فدوى “ألّا يتسبب طرح السؤال بهذه الصيغة بوقوعنا في فخ التعميم”, بكل الأحوال، هي ترى أن ” المسألة لا تتعلق بمهنة، بقدر ما ترتبط بأزمة ذات، ولنحدد مقصدنــــا بشكلٍ أوضح، فكم من روائيين يستنهض حضورهم الجمال لأنهم كانوا أكثر مشغولية بمشروعهم الإنسانيّ, علينا إذاً أن نفكر فيما وراء هذا الهوس من مسببّات (سياسية وثقافية واجتماعية)، ولذلك دعنا نتحدث بدقة: تأكيد الذات أمرٌ مشروع، يتم عادة من خلال هواجس جماليــــّة ومنجز فكري وإنساني، لكن متى يتحول ذلك إلى عبادة؟ حين يتحول منجزك إلى مجرد وقودٍ للفم النهم للأنا. في هذا الإطار تلقّننا الطبيعة درساً مهماً «الشجرة لا تثمر كي يقال لها شجرة مثمرة, إنّ الإثمار هو كينونتها».
الجمال لا يكتمل
والأديب الهاشمي يرى “أن تواضع كتّاب القصة القصيرة بشكل عام، أمر يحتاج أيضاً إلى دراسة شاملة معمقة وتحليل. فالتعميم خاطئ دائماً في رأيي, ويبقى التواضع سمة من سمات الإحساس الدائم بالسعي إلى الأجمل والصعود نحو قمة الكمال العالية البعيدة.. والمستحيلة، لأن الجمال لا يكتمل أبداً, ويختتم بالقول: تعرف جيداً أنني كتبتُ في معظم مجالات الفن من قصة ومسرح ودراما وبرامج أطفال… لكني أشعر دائماً أنني لم أقدِّم إلّا القليل، ويبقى الأجمل ذاك الذي لم أستطع إظهاره للناس بعد”.
ولا تتفق القاصة روعة أيضاً مع السؤال، فهي تقول: من خلال مشاهداتي وتجاربي لا أعتقد أن الاشتغال بكتابة القصة قد يعصم الشخص عن الغرور أو يحجم شيئاً من ذاته المتضخمة.
هروب لأعلى!

أمّا كيف ترى القاصة فدوى تأكيد الذات، تقول: ثمة تناسب عكسي، بين مستوى النتاج الروائي وبين تأكيد الذات، ومع كل كتاب أو رواية يكتشف الإنسان ضالة الوجود الذي يعيش فيه؛ بل تنزاح الستارة عن أوهامٍ كثيرة وإذا لم يستطع الأدب أن يفعل ذلك فمن سيفعل! وتختتم بالقول: إنها مسألة إخلاص، إخلاصك لذاتك يعني أن تساعدها على النمو الذي – في هذه الحالة- يتبع مساراً معاكساً للمتعارف عليه (يأتي عبر الفهم والمعرفة والرغبة بالاكتشاف), وفي الوقت الذي تبدأ فيه بإعطاء الدروس للآخرين كتلاميذ تفقد البوصلة الحقيقيّة للأدب. ما يهم في النهاية، أن يكون النص دفاعاً عن الجمال وتعريفاً جديداً للأشياء ولحظةَ تنوير, يمكننا اعتبار تضخُّم الذات نوعاً من الهروب لأعلى، كما يطلق عليه سارتر أو بتعبير كونديرا، “فحين يخفق مشروعنا الجماليّ نهرب فهذا هو المخرجُ الوحيدُ للإفلاتِ من المهانـــــــة”.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار