هل يصنع هوس الشهرة فناناً ؟
سلام الفاضل :
لا أظن أن الدراما السورية تعاني اليوم من أزمة نصوص فقط، طال الحديث عنها، وتشعّب حتى كثرت الأقاويل فيها والتخمينات، والنظريات، ولكنها تعاني في الآن نفسه من أزمة نفوس اختلطت فيها المعايير، وغابت عنها أحياناً أبسط الأدبيات الاجتماعية التي تحكم عادة تفاعلات البشر فيما بينهم، فاختلط كما يقال «الحابل بالنابل»، حتى نسي البعض من الفنانين خاصة، والمخرجين والكتّاب أحياناً أن هذه المهن هي كسائر المهن الأخرى، غير أن ما يميزها عن سواها هو خصوصية طبيعتها في أنها مهنة عامة تجري أحداثها تحت الضوء، وأمام الكاميرات، لأنها في أصلها هي فرجة، أو حكاية موجّهة إلى جمهور من المتفرجين.
والشعبية الجماهيرية التي يرغب أي فنان، أو سواه في تحقيقها هي شعبية مستحقة ولا يمكن لأحد أن ينكرها عليه، ولكن ما الذي يحدث إثر ذلك؟ هنا تقع الكارثة, فبعد أن يحقق أيُّ فنانٍ، أو مخرج، أو سواهما، ولاسيما المبتدئين منهم، والمغمورين أي شهرة تُذكر، ضاقت أو اتسعت، يبدأ بفرد ريش الطاووس، والتباهي بعجرفة غير مبررة تؤدي أحياناً إلى التعالي على جمهور كان هو السبب الرئيس والأساس فيما هو عليه، وبالتأكيد لا يطول هذا الكلام الجميع، ولكنه بات إلى حدّ ما ظاهرة ملحوظة تجب الإضاءة عليها.
وكل هذا لا بدّ أن يعود بنا إلى الأسباب الحقيقية التي دفعت بهؤلاء إلى احتراف مهنة الفن بداية، فهل كانت الموهبة هي المحرك الأساس، أم الثقافة الموسوعية التي ينبغي على أي فنان أن يتحلى بها ليستطيع تجسيد أي دور يسند إليه باحترافية عالية، أو أن المحرك كان فقط الطمع بالشهرة، وحب الأضواء؟؟ سؤال يدفعنا إلى تذكّر جيل الروّاد الأوائل، ومن تلاهم من فنانين مخضرمين كان لهم الفضل في التأسيس للمسرح، والدراما التلفزيونية، والسينمائية الذين كان حافزهم الأساس في احتراف الفن هو شغفهم به، ومواهبهم التي جسّدوها لاحقاً كإبداعات فنية رفعت الدراما السورية إلى مصافٍّ عالية، وجعلتها أحد أهم الدراما الأكثر متابعة في الوطن العربي، فضلاً عن ثقافة هؤلاء التي انعكست في أخلاقياتهم وأدبيات تعاملهم، فكانوا يتواضعون كلما ازدادوا رفعة، وهم من يحق لهم أن يتباهوا بإنجازاتهم، وأسمائهم التي حفروها في قلوب وعقول جمهورهم بشق الأنفس، والصبر، والجهد والمكابدة في زمنٍ كان مجتمعه مازال بعيداً عن تقبل مثل هذه المهن، وعصرٍ خلا من الإعلام الإلكتروني، ووسائل التواصل الاجتماعي، والصفحات «الفيسبوكية» التي باستطاعتها في ثوانٍ معدودة أن تجعل أياً منّا نجماً يعشقه الكثيرون.
فالعبرة إذاً في المضمون وتاريخ هذا الفنان، وكيفية تسخيره لأدواته الفنية خدمة للدور الذي يلعبه، وما يقدمه لاحقاً من إنجازات إبداعية تُحسب له، وليست العبرة في المظاهر الفارغة التي يسوّق لها البعض. ولسنا في هذا المقال في معرض مدح أو ذم، ولكنها بقعة ضوء نضيء خلالها على أمر بات يزعج الكثير ؛ نحن الجمهور الذين نرغب دائماً في رؤية فنانينا وهم الأفضل على كل المقاييس؛ فهل يمكن لهذا “الجيل الجديد” أن يسير على خطا أساتذته من جهة تمكين الموهبة، وتحفيز الإبداع، ودعم الثقافة، والتواضع الجميل من دون أن تعميهم أضواء الشهرة عن إدراك أصل الفن وجوهره، وأنه، كما يقال بالعامية: «يخفّوا علينا شوي، ويرحمونا».