الإخراج ولعبة الإبهار البصري بين التشويق والضرورة الفنية

بارعة جمعة:
جيوشٌ غفيرة على أبواب القلاع، وأزياء منوعة مرصَّعة بنقوشٍ قديمة وألوانٍ ضاربة، تحمل معها عبق الماضي وتاريخاً يعود لما يعرف بزمن الفُرس والروم، هذه المشاهد لم تكن على مرأى الناس, ولم تكن معروفةً لجمهور العمل الدرامي، إنما وسيلةً لتقريب المشاهد من زمنٍ بعيدٍ كل البعد عن توقعاته، بأشخاصٍ وأجواءٍ وعاداتٍ غريبة عما نعيشه اليوم، والذي استطاع من خلاله المخرج “نجدة أنزور” نقل المشاهد التوَّاق لمعرفة تاريخه القديم، إلى صورة مقرَّبة نوعاً ما لرواياتٍ تاريخيَّة، يُكذِّبها البعض باعتبارها “فنتازيا” لا تشبه ما عاشه أجدادنا فيما سبق، ليبقى البعض الآخر على استعجالٍ لمعرفة ما يُخبِّئه القادم من أحداثٍ، كان عنوانها المبارزة والقتال وانتصار أصحاب الرِّواية الأقوى على الجمهور الأضعف، والتي كان المحرِّك الأساسي فيها “الإبهار البصري”، القائم على الخدع البصرية في حركة الكاميرا، وما يرافقها من موسيقا صاخبة أحياناً، لتهيئة المتلقي لما هو قادم من إثارة وتشويق، ولاسيَّما فيما يخص بطل العمل أو بعض الشخصيات التي لاقت استلطافاً من الجمهور.
«بحث في الماضي»
وإذا ما عدنا إلى بدايات العمل في هذه التقنيَّة، التي باتت عنوان الأعمال الدرامية المعاصرة، من دون التمييز بين أنواعها التي قد لا تتطلب كل ذلك الجهد، نجد أن الأغلبية باتت تعمد لتغليب الصورة على النص، باعتماد الإبهار الذي يبرره ضعف النصوص المقدَّمة من قبل الكتَّاب، ممن اعتمدوا على مهارة المخرج في تلافي ثغرات الحوار، باستخدامه إضافات إخراجية تتلاءم أحياناً مع الهدف، في حين تبتعد أحياناً أخرى عن الغاية المرجوَّة منها، والتي عرفت بنوعٍ من المبالغة أيضاً.
ولأن الأعمال التاريخية تحمل طابعاً خاصَّاً يفرض علينا العمل بتقنية الإبهار البصري، يلتقط المخرج كل الجماليات المتعلِّقة بالآثار من «قلاع وقصور ومدن قديمة»، ومن ثم يقوم بتصميم ديكورات تتماشى مع هذه المرحلة، في حين يبقى للأعمال الاجتماعية شكل آخر، يبتعد عن الديكورات الفخمة والمنحوتات التي تجذب المشاهد، إلى الشكل العمراني الحديث.
«وظائف الإبهار البصري»
كما يتَّضح من الأمثلة السابقة، بأن الغرض الأول لهذه العملية يقوم على جذب المشاهد إلى العمل الدرامي التلفزيوني، ومن ثم تكوين صورة ذهنيَّة لدى الجمهور عن مرحلة معيَّنة، تبقى أسطورة تاريخيَّة بالنسبة لهم، لما يرافقها من جماليَّات بالمشاهد والصور التي تلتقطها الكاميرا.
وفي النظر لما يُقدمه المخرجون الجُدُدْ، ممن اتخذوا من عملية الإخراج فرصةً لإظهار مواهبهم الفنيَّة، نجد أن المخرجة “رشا شربتجي” استخدمت الإبهار كوسيلة لتمثيل رؤيتها البصرية التي تمثلت في عملها الاجتماعي “بنات العيلة” من خلال عرضها أساليب الترف والرخاء المُقدمة من نساء أبطال العمل، لإنتمائهم للطبقة المخمليَّة، التي فرضت نوعاً من البذخ في الأثاث والتحف والترتيب المميز ضمن منازلهن، ما استدعى توظيف هذه العناصر من قبل المخرجة “رشا شربتجي” لتشكيل صورة تلفزيونيَّة تجعل المشاهد متابعاً يومياً لها.
«مشاهد هوليودية»
إلا أن الغريب ما يلجأ إليه البعض في تقديم صور عن مجتمعٍ كاملٍ بنظرة غربية تُتَرجم بمشاهد العنف والقتل المتعمَّد، الذي لا يضيف للعمل الدرامي الكثير من الفائدة، والذي لحظناه فيما قُدِّم من قبل مخرج مسلسل “الهيبة” الذي خرج عن المألوف في تقديم نماذج عن “المافيات”، وما تعيشه من أجواء رعب ودماء وقتل بدمٍ بارد، والتي ستنعكس تلقائياً على المتلقي، فيما يُترجمه من سلوكيَّات ضمن حياته اليومية سواء بالقول أو الفعل، كما أن لهشاشة النصوص كما ذكرنا سابقاً، الدور الأكبر في تقديم مشاهد “الأكشن” لتبرير أي فعل ورد فعل، لنجد بعدها بأن الاتجاه في استخدام لعبة الإبهار البصري وصل للمنتج الإعلاني أيضاً، والذي أثار استياء المشاهد من ابتعاد الفكرة الإعلانية عن المُنتَج المرهون له هذا الإعلان، والتي سبق أن تم استخدامها ضمن قالب تاريخي، من دون حساب البعد بين الفكرة الإخراجية ومنتجات الشركة الغذائية المقدمة للإعلان نفسه.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار