صور أيام زمان.!
انتشرت في السنوات الأخيرة صور تجسّد بعضاً من مظاهر الحياة، ما بين الخمسينيات و أواخر الستينيات، والكثير منها لشريحة من النساء في لباس أنيق، سافرات يحضرن بعض الاحتفالات العامة أو حفلات لأشهر المطربين والمطربات، برفقة أزواجهن, وهي صور تخص أكثر من قطر عربي، وتوضع في المقابل صورٌ حديثة لنساء يرتدين الجلباب الأسود، أو ما يماثله، سواء في الجامعات أو المسارح أو حتى في الحدائق, ومعظم من ينشرها يتحيّز لذلك الزمن كما معظمنا إن فقدنا ما نصبو إليه في حاضرنا فنبدأ بالتفنن في عبادة الماضي ومظاهره، ونتحسر على الحاضر من دون الدخول في أسباب انتكاساتنا ومحاولة تفكيك أسباب عدم تحقق ما نصبو إليه ، ونتساءل: هل من العلم أو المنطق أن نحكم على تحضر مجتمع ما، من صورٍ لشريحة محددة، من دون معرفة نسبتها المئوية في المجتمع، واختصت فقط بنمط لباس المرأة؟ إن كان كذلك فهل ما انتشر في السنوات الأخيرة أيضاً من لباس ممزق ترتديه معظم المراهقات وبعض البالغات في بعض الدول العربية، هو دليل تحضرٍ؟!.
فالصور الممدوحةَ هي لشريحة محددة، كان باستطاعتها الذهاب لتلك الحفلات، دوناً عن بقية شرائح النساء بالمجتمع, ثم لماذا يكون الحكم فقط على المرأة في المدينة ولباسها كدلالة على تحضر المجتمع، ونقصي من تفكيرنا وإشاراتنا المرأة في الريف، أمهاتنا وجداتنا، فهل نمط لباسهن هو دليل تخلف، أليس الرجال في الكثير من الجغرافيات العربية يرتدون لباساً فضفاضاً وغطاءً على رؤوسهم، له علاقة بالظروف البيئية، أو التقاليد؟ فهل هذا دليل على تخلفهم, وإن أردنا جدلاً أن نوافق على وجهة النظر بأن اللباس بهذا التقليد دليل عدم تحضر، فمن المسؤول عن استمرار ذلك؟ هل هي المؤسسات الدينية أم الثقافية أم الإعلامية أم الحزبية أم التربوية، أم القانونية؟ وقد يتساءل قارئ: ما دخل القانون بلباس المرأة؟ نقول: هل يوجد قانون يعطي المرأة والرجل حصانة اختياره لنمط لباسه، بعيداً عن مرجعية دينية أو تقليد اجتماعي، أو طبيعة بيئية ؟ ثم لماذا نستنكر وجود المرأة بلباس محدد في الأنشطة الثقافية، برغم أن هذا دليل على نجاعة قرار الدولة عندنا، وربما في دول عربية أخرى، أن تكون معظم الأنشطة الثقافية مجاناً لكل شرائح المجتمع؟ ما يجعل كل مكوناته قادرة على المتابعة والاستفادة منها بشكل أو بآخر، وأن تكون كفيلة بأن تقوّم معظم ما يُظن بأنه ليس تحضراً.