ما بعد الفكرة
ثمة مقولة تُردد؛ وهي أن الحدث غير العادي، هو حدثٌ عادي رآهُ إنسانٌ غير عادي، بمعنى آخر؛ لابدَّ من لحظة تصادم مع الواقع، حدث أو فكرة، أو حتى شخصية تطلقُ ما يُمكن أن نُسميها بالشرارة داخل المبدع، أو تخدش حساسيته التي تختلف عن حساسية الإنسان العادي، تلك الشرارة التي ستدخلُ مختبرَ المبدع، سواء تمَّ ذلك بوعي، أو بغير وعي، وبعد كيمياء عديدة و تماهٍ بين خيالٍ و واقع، ومن ثم لإنتاج «واقعٍ» آخر ذلك الذي نما من تلك البذرة الواقعية، ومن ثم ابتعدت مسافات من أن تكون فوتوغرافيا.
ذلك كان ما يخصُّ الفكرة، غير أن المرارة تكمن في صياغة الفكرة على الورق، هنا يكادُ يصيرُ رأسَ المبدع ما يُشبه خشبة مسرحية تجري عليها صياغات تلك الفكرة التي نمت ذات حينٍ من اصطدامٍ مع الواقع، وعند سرد أجمل تلك الصياغات، أو الاطمئنان على أنها الأجمل، تتولد تلك السعادة الغامرة.. ذلك الإحساس الذي يُعطي وكأن المبدع قدّم إبداعَهُ بما يليقُ به.
من هنا؛ يُمكنُ تفسير تلك الحالات الغربية التي تنتاب المبدع قبل إظهار نتاجه إلى الوجود، وإذا ما فشل بنتاج إبداعه بالصياغة التي يرضى بها، فإنَّ تلك الحالة ستزدادُ سوءاً لدرجة قد تأخذ بالمبدع صوب هاويات أخطر بكثير.. ذلك «الإفلاس» الذي قد يؤدي لخواتيم محزنة، و.. إذا كان كل ما يُمكن أن يحدث أي صدام مع الواقع، يمكنهُ إيجاد الفكرة، وحتى من دون صدام كما قال «الأسلاف» الذين أكدوا أن الأفكار منشورة على قارعة الطريق، وإنما الإبداع دائماً بطريقة التعبير، وإعادة صياغة المعادل الإبداعي للواقع.
هنا نقول: إن كثرة الأفكار ليس بالضرورة أن تنتج إبداعاً، وإلّا صار كلُّ الناس مبدعين، فمهما كانت قيمة تلك الأفكار تبقى أفكاراً، إن لم يتمكن المبدع من أدوات الصياغة والتعبير لديه.
هامش:
سيظلُّ السياجُ عالياً،
والياسمينةُ
تعبرُ هوّة الجرح..
حولي يتطاولُ كلُّ هذا،
والبهو
فارغٌ تماماً..