بالصوتِ وحده
رقمٌ مُضحك، بما فيه من إهانة واستهانة، لكنه ليس مُفاجئاً، إذا ما عُدنا إلى ما يتقاضاه عاملون في مهنٍ فنية وإبداعية، من كتّاب ومخرجين وممثلين في المسرح، وصحفيين وشعراء وقاصين ممن ينشرون في مختلف المطبوعات والمواقع الإلكترونية، لهذا لا يبدو مُستهجناً، أن يأخذ الفنان “300” ليرة، أجرة الدقيقة الإذاعية، أيّاً كان اسمه، وخبرته وإمكاناته.
قبل ثلاثة أعوام، زرتُ دائرة التمثيليات في إذاعة دمشق، كُل مَن التقيتهم، تحدثوا عن محبتهم للراديو، شغفهم بأصواتٍ وأعمالٍ قدّمتها الإذاعة، منذ انطلاقتها من بناءٍ بسيط في شارع بغداد، إدراكهم بأن التحدي الذي تعيشه في أن تكون مسموعة ليس سهلاً، وهو أمرٌ تعيشه معظم وسائل الإعلام أمام الضخ الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي، لكن محاولاتهم الوصول لأكبر عددٍ ممكن من المستمعين لا تتوقف.
اليوم أيضاً، لا يزال التحدي قائماً، برغم أن الظرف العام لا يبدو مُبشِّراً، فالتفاوت بين الأجور في الدراما الإذاعية والتلفزيونية، يصح وصفه بالانفصام، بمعنى؛ إذا كانت الجهات المعنية لا ترغب بدعم مُنتجها وكوادرها، فكيف تُطالب الآخرين بمتابعته والتفاعل معه؟، لماذا لا تحظى الدراما الإذاعية باهتمامٍ تستحقه.. دعايةٌ مثلاً، تعاونٌ مع بقية وسائل الإعلام، إذا ما افترضنا بأنّ خصائص كل وسيلة إعلامية، تتكامل مع نظيراتها؟.
ربما يقول البعض: إنّ الأسماء “البيّاعة”، غائبة عن الدراما الإذاعية، ولهذا عدة أسباب، الأجور المُقدّمة، ليست إلّا جزءاً منها، هناك ممثلون لا قدرة لديهم على مواجهة المتلقي من خلال الصوت فقط، لا يُمكنهم الاعتماد عليه وحده، للجذب وشد الانتباه، دونما شاشة وكم هائل من الصور والإضافات والمُؤثرات، ربما يرون فيها، تجربةً محسومة النتيجة، ولا حاجة لها، أمام المُتاح في أي عملٍ تلفزيوني سيقدمهم للجمهور بأفضل ما يُمكن.
بالمقابل، لا يمكننا تجاهل الفنانين والفنيين الذين استمروا في العمل للإذاعة، وفي مقدمتهم مَن نعرفهم بأصواتهم “وفاء موصلي، أمانة والي، تيسير إدريس، غسان عزب، علي كريّم، رياض نحاس، بسام لطفي وغيرهم الكثير”، إضافة إلى مشاركاتٍ في الفترة الأخيرة من الفنانين دريد لحام وأسامة الروماني, هؤلاء تجاوزوا التفكير فيما قلناه، ربما، لتكون الوجهة نحو المُستمع والمضمون المطروح.
ومن المفارقات التي لم تُثر أيّ اهتمام، أنّ الدراما الإذاعية سريعة في تناول العناوين والإشكاليات المجتمعية، بما فيها من جرائم وأزمات معيشية وقوانين جديدة، بعيداً عن موسم العرض في رمضان، وعدد الحلقات المُحدد بالثلاثين، وما إلى ذلك من مفاهيم “التريند” و”الدراما المشتركة”، و”أدوار البطولة”، يُفترض بكل هذا أن يكون مُتابعاً و قابلاً للنقد والبحث، لكنه لا يحدث، للأسف.