تجارة مُعطِّلة للاقتصاد
التجارة نشاط تمارسه البشرية منذ القدم، وهي أحد أشكال التعافي الاقتصادي للبلد، لكن عندما تكون التجارة بالسلع المدعومة تصبح حكاية أخرى، فقد أثبت الواقع بشأن الدعم المقدم لوسائل النقل وخاصة وسائل المواصلات العامة من خلال الوقود “بنزين- مازوت” فشل التجربة وأثرها السلبي على الاقتصاد الوطني، وذلك بإيجاد طبقة عاطلة عن العمل تكسب من دون عمل وتعطل المواصلات وتسهم بزيادة تكاليف الإنتاج من خلال بيع الوقود المدعوم بالسوق السوداء.
إن سعر ليتر واحد من البنزين بين المدعوم والسوق السوداء يتراوح بين أربعة وخمسة أضعاف، لذلك من البدهي أن من يمتلك بطاقة وقود مدعوم سيجد أن أرباحه بلا عمل أفضل من العمل، لهذا نجد وسائل النقل مخفية في أزقة المدن والقرى وكل الإجراءات لا تنفع بل توسع دائرة الفساد.
لهذه الحقيقة الواقعية سلبياتها أولاً: على حركة المواصلات، نتيجة شبه توقف وسائط النقل عن العمل، وثانياً: ارتفاع أجور النقل والشحن والإنتاج الزراعي نتيجة شراء الوقود بأضعاف سعره من السوق السوداء، فالحقيقة المرّة أنه قد تم تعطيل جزء كبير من حركة المواصلات، ولا يخفى عن العين نتيجة ذلك من ازدحام في الشوارع وتكدس الركاب في المحطات.
صاحب تكسي الأجرة يكسب فقط من مجرد بيع البنزين، كما يفعل صاحب الميكرو سرفيس من بيع المازوت وخاصة للآليات الزراعية، هذا عدا توفير قطع التبديل وتكاليف تبديل الزيوت، فالتربح من بيع الوقود المدعوم يضاهي عوائد العمل على خطوط النقل، فالأمور واضحة غير مخفية.
هذا الوضع يزيد تكاليف الإنتاج الزراعي النقل والشحن- لا يعني ذلك تهمة للأخيرين- بل يجب إيجاد حلٍّ لهم، لأن شراء الوقود من السوق السوداء يضاعف تكلفة الإنتاج، فمن يعمل يضطر لشراء الوقود ممنْ لا يعمل.
الواقع يؤكد أن طريقة تقديم الدعم لوسائل المواصلات تسببت بتعطيل عمليتي المواصلات والنقل، فالدعم يذهب لفئة محددة ولا يصل إلى الهدف، أي كل المواطنين.
ليس هذا فقط، بل إن هذه الحالة أوجدت تجارة في الآليات القديمة، بعضها متهالك وربما لا يعمل والهدف منها بطاقة الوقود فقط، وطبعاً ليس هكذا يتعافى ويقوى الاقتصاد الوطني.
النشاط الاقتصادي بحاجة لمواصلات ميسرة، والتمهل في مواجهة هذه المشكلة يجعل من كرة الثلج أكبر والتداعيات أخطر، فالتربح بلا عمل حقيقي مثل القمار والربا لا يخدم الاقتصاد الوطني، وما يحدث هو نشاط اقتصادي زائف من خلال التجارة بالوقود المدعوم.