في بحث هو الأول من نوعه.. الدكتورة “غنى نجاتي” تفصّل في خبايا النهم العصبي بين المراهقين
للوهلة الأولى قد يكون مصطلح النهم العصبي مبهماً بعض الشيء عند الكثيرين، لكن وقفة معمقة في خبايا هذا المصطلح تكشف الكثير عن خطورته ولا سيما أنه مرتبط بالقلق والذي قد يصل إلى مرحلة المرض النفسي عالي الخطورة.
عضو هيئة تدريسية في جامعة الشام الخاصة الدكتورة “غنى خالد نجاتي” حاولت تسليط الضوء على مفهوم النهم العصبي وعلاقته بالقلق المعمم بعد أن أجرت دراسة ميدانية على عينة من طلاب ثانويات دمشق الرسمية، وذلك باستخدام مقياس تايلور للقلق العام ومقياس النهم العصبي.
ولعل ما يميز الدراسة تركيزها على شريحة المراهقين. ومن المعروف مدى أهمية مرحلة المراهقة، ولكي تمر هذه المرحلة بسلام لا بد من نسق سليم يحتضن المراهق، حيث تعتبر الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام كلها لها أثر كبير في نموه وتطوره أو تدهوره، ويشكل الأقران الدعامة الأساسية في تكيف المراهق ولكي يحقق مكانة مرموقة بين أقرانه لا بد أن يخضع لضغوط لمسايرة معاييرهم منها الجسم المثالي.
ﻭﻤﻥ ﻫﻨﺎ ﻓﺈﻥ ﻟﻠﺒﺤﺙ ﻓﻲ النهم العصبي وعلاقته بالقلق ﺃﻫﻤﻴﺔ استثنائية، ﻭبخاصة ﻓﻲ ﻋﺼﺭ ﺍﻟﻔﻀﺎئيات ﺍﻟﺫﻱ يعج بالترويج ﻟﻠﺠﺎﺫبية ﺍﻟﺠﺴﻤﻴﺔ، ﺍﻷﻤﺭ ﺍﻟﺫﻱ يفرض ﻋﻠﻰ المراهقين مواكبتها.
فائدة ولكن!
في مقدمة بحثها تؤكد الدكتورة “نجاتي” أن الطعام أكثر من مجرد غذاء للجسم، إنه يرمز للصداقة والترابط ويجمع الأسرة والأهل والأصدقاء معاً، ولكنه بالمقابل قد يتخذ البعض بتناول منحى متطرفاً، فإلى جانب فرط الشهية للطعام التي ترتبط بنوبات من الأكل النهم ومع الوزن الزائد ومع التقيؤ في غالبية الأحيان، يمكن أن يظهر في الجانب المقابل نقص الشهية للطعام، الذي يمتنع فيه المرضى عن تناول الطعام ويقومون بتقيؤ الطعام كذلك، وهناك فئة ثالثة من المرضى، وهؤلاء عبارة عن أشخاص يمتلكون وزناً طبيعياً، إلاّ أنهم يعانون من نوبات فرط الأكل يتناولون فيها كميات كبيرة من الطعام دفعة واحدة يعقبها بعد ذلك تقيؤ الطعام الذي تم تناوله. ونوع رابع يلاحظ في منطقتنا العربية يتميز بالفقدان المتطرف للشهية مع عدم القدرة على تناول كمية وافية من الطعام لسد حاجات الجسد ولا يعاني فيه المرضى من نوبات الأكل ولا يقومون بالتقيؤ، ويظهر هذا الاضطراب بشكل غالب لدى النساء أكثر من الرجال فحوالي (90%) من مرضى هذا النوع هن من النساء، لذلك تتحدث المراجع المتخصصة حول هذا الاضطراب بصيغة المؤنث في وصف المرضى، ويشكل هذا الاضطراب تهديداً حقيقياً للحياة وخصوصاً في فترة المراهقة، وعامل خطر على القلب والدورة الدموية لأنه يسبب ارتفاع ضغط الدم كما ويمكن أن يؤدي إلى الإصابة بالسكري.
ترى الدكتورة “نجاتي” أن مرضى النهم العصبي يصيبهم القلق والحيرة حول أوزانهم وهيئتهم وشكلهم فنجدهم يأكلون بشراهة في إحدى الوجبات ثم يتوقفون في الوجبات اللاحقة، وأحيانا يصيبهم إحساس بالذنب فيتقيئون ما أكلوا وقد يتناولون العقاقير الملينة لكي يحافظوا على أوزانهم، وقد يظهر لدى بعض الأفراد المصابون بالنهم العصبي القلق، الاكتئاب، اضطرابات العلاقات الأسرية، الشعور بالذنب وأشكال مختلفة من الاضطرابات البيولوجية والتي تشمل اضطراب التمثل الغذائي واضطراب أنظمة الناقلات العصبية بالمخ.
مرض مؤنث
تشير الباحثة أنه واستناداً إلى بعض الأبحاث تبين أن اضطراب النهم العصبي يصيب الإناث بنسبة تفوق الذكور، حيث وجد أن 80 % من مرضى النهم العصبي إناث، كما أوضحت دراسة أجريت على عينة مكونة من 200 امرأة في الولايات المتحدة الأمريكية أن امرأة من كل ثلاث نساء لديها بعض سلوكيات النهم العصبي وقد يعود سبب ارتفاع معدل إصابة الإناث باضطرابات الأكل عن الذكور، إلى كون النحافة مطلب أنثوي، حيث ترى كثير من النساء أن مصدر نجاحهن في الحصول على ما يرغبن مرتبط بتصورهن عن أجسامهن وكيف يتقبلها الآخرون، ولهذا فإن صورة البدن تشغل مساحة كبيرة من اهتمام المرأة أكثر من الرجل بالإضافة إلى أن المرأة تود أن تقدم نفسها بصورة مقبولة وجذابة لدى الرجل الذي سيختارها شريكة لحياته.
كما أن الاعتقاد الخاطئ بأن معيار الجمال والأناقة هو النحافة والقوام الممشوق، وهذا سيؤثر على الفتاة ويدفعها إلى التخفيف من وزنها حتى تواكب الموضة وتحظى بقبول وتقدير صديقاتها وأفراد أسرتها.
وفي الغالب ” تقول د.” نجاتي”، فقد تم توثيق ظهور النهم العصبي في المجتمعات الصناعية مثل: الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، أوروبا، أستراليا، اليابان، نيوزيلاندا وجنوب إفريقيا. أما في المجتمعات الأخرى فكانت دراسة وقياس ظاهرة النهم العصبي قليلة جداُ، وكان معظم أفراد النهم العصبي في الدراسات الاكلينيكية وفي هذه الدراسات كانت نسبة انتشار النهم العصبي عند الإناث ما لا يقل عن ( 90% ) وتم تسجيل حالات انتشار النهم العصبي عند الذكور (1 -10 ) بالنسبة للإناث، وإن ظهور هذا الاضطراب غالبا ما يكون في مرحلة المراهقة أو في مرحلة الرشد المبكر، وتبدأ دورة النهم في الأكل أثناء أو بعد اتباع الحميات القاسية.
الأعراض والتشخيص
تحدد الباحثة في دراستها أعراض النهم العصبي والذي يتميز بنوبات من النهم والإفراط في الأكل قد تتكرر لعدة مرات في اليوم الواحد، وقد تستمر لعدة أشهر وفي بعض الأحيان، يصاحب هذه النوبات شعور بالاشمئزاز وعدم الرضا عن الذات يدفع المريضة إلى القيء المتعمد أو الإفراط في ممارسة التمرينات الرياضية.
وهناك أساليب مختلفة لتشخيص النهم العصبي، كحدوث نوبات متجددة من الأكل حتى التخمة كأن يأكل الفرد خلال فترة زمنية محددة كأن تكون كل ساعتين مثلاً، وتناول كمية كبيرة من الطعام تزيد عما يستهلكه الناس خلال نفس الفترة الزمنية، والشعور بفقدان القدرة على ضبط سلوك الإفراط في الأكل، حيث لا يستطيع التوقف عن تناول الطعام، والمحاولات المتكررة لإنقاص الوزن من خلال سلوك تعويضي غير ملائم لإنقاص الوزن، وذلك بإتباع نظام غذائي صارم، أو حث الذات على القيء، أو استخدام المسهلات، أو مدرات البول.
ولا توجد أسباب معينة أو محددة للشره العصبي، وقد يُحزن هذا الذين يعانون من هذه الاضطراب لأن الشخص المصاب نفسه بهذه الاضطراب أو من يوجدون من حوله من الأصدقاء والأقارب قد لا يفهم أو يفهمون كيفية تطوره. فقد يكون النهم العصبي نتيجة لوجود خلل في نشاط بعض الهرمونات، أو كبت المشاعر الجنسية أو مشاعر الغضب وتحويلها نحو الأكل، أووجود مشاكل أسرية أو اجتماعية أو إهمال من الأسرة.
4- وجود علاقة بين اضطرابات الأكل واضطرابات الوجدان (الاكتئاب).
وبالنسبة للقلق المعمم تحدد الباحثة “نجاتي” أعراض القلق المعمم ومنها قلق واهتمام مفرطان (توقعات مخيفة)، تحدث أغلب الأيام لمدة لا تقل عن ستة أشهر، تجاه عدد من الأحداث أو الأنشطة مثل العمل أو الأداء المدرسي أو الأسرة، و يجد الشخص صعوبة بالغة في التغلب على الاهتمام والقلق ويصاحبه ثلاثة أعراض أو أكثر من الأعراض الستة وهي التوتر، وعدم القدرة على الاستقرار، وسرعة الاستثارة والخوف، وسهولة الإنهاك والتعب، و صعوبة التركيز أو فقد الانتباه، وسرعة الانفعال، وأن شداد العضلات واضطرابات النوم.
منهج وأدوات
ستعرض الباحثة لمجموعة من الدراسات العربية والأجنبية التي تناولت الموضع، والتي ورغم قلتها فإنها ركزت على الفئات العمرية الأكبر أو فئة الأطفال وهنا تأتي الدراسة لتكون الأولى من نوعها التي تستهدف المراهقين من عمر ١٥- ١٧ سنة، كما أن أدوات هذه الدراسة مختلفة عن أدوات الدراسات السابقة، وهي أول دراسة محلية تتناول العلاقة بين النهم العصبي والقلق المعمم بشكل مباشر، على حد علم الباحثة.
اعتمدت الباحثة على المنهج الوصفي التحليلي، وذلك لأهمية هذا المنهج في الدراسات النفسية، حيث يوصلنا لنتائج دقيقة عن الظروف القائمة، ويستنبط العلاقات القائمة بين الظاهرات المختلفة وتفسير معنى البيانات، ويمدنا بمعلومات مفيدة تساعدنا على التخطيط ووضع الأسس الصحيحة للتوجيه والتغير، وتعيننا على فهم الحاضر ورسم خطط المستقبل.
ويشمل المجتمع الأصلي جميع طلاب الصف العاشر والبالغ عددهم (13245) طالباً وطالبة في المدارس الثانوية العامة الرسمية في محافظة دمشق حسب إحصائيات مديرية التربية للعام الدراسي 2021-2022، و تم تحديد طلبة الصف العاشر من ثانويات دمشق الرسمية، حيث سحبت العينة بطريقة عشوائية وبلغت (180) طالباً وطالبة، (90) ذكوراً و(90) إناثاً، وبلغت نسبة تمثيل العينة للمجتمع الأصلي تقريبا 2%.
وقد اعتمدت الباحثة في سحب عينة مدارس على تقسيم مدينة دمشق تربوياً إلى خمس مناطق جغرافية.
حديث النتائج
َمن خلال تحليل النتائج والجداول تبين من خلال الدراسة عدم وجود فروق بين أداء الذكور وأداء الإناث على مقياس القلق المعمم وتعزو الباحثة هذه النتيجة إلى أن الذكور والإناث يواجهون مشكلات المراهقة ويحاولون التأقلم أو التكيف والتعامل معها فالمراهقين جميعهم الذكور والإناث تكثر عليهم الضغوط الدراسية والعائلية والاجتماعية وبشكل واحد، فالمراهق والمراهقة كلاهما يطمحان لدراسة فروع ذات معدلات عالية ويضعون أهداف عالية قد لا تتناسب مع قدراتهم وطاقاتهم ويبذلون قصار جهدهم للحصول على القبول الوالدي، وتظهر لديهم الحاجة للموافقة من أقرانه ومحيطه حيث يرغب في التطابق مع معاييرهم ومثلهم والتي قد تفوق مستوى المراهق وقدراته.
النتيجة الثانية فقد تبين من خلال الدراسة وجود فروق بين أداء الذكور وأداء الإناث على مقياس النهم العصبي لصالح الإناث حيث كشفت النتائج أن الإناث أكثر إصابة باضطرابات الأكل مثل اضطراب النهم العصبي، وربما يعود السبب في ذلك على التضخيم الإعلامي لمعايير الوزن المثالي للفتاة والجاذبية الاجتماعية التي تتحقق لها بعد وصولها للصورة المثالية التي يحددها المجتمع ما يجعل الفتاة أكثر استعدادا للاهتمام بوزنها مما قد يؤدي لإصابتها بالنهم العصبي، فضلاً عن ذلك كله فإن عدم شعور الأنثى بالأمن والاستقرار لاسيما في ظل الظروف التي نعيشها في الوقت الحاضر، تجعل الأنثى قلقة على نفسها من تعرضها للإساءة سواء الجسدية أو حتى الجنسية، لتجد في تناول الطعام العزاء لمشاعرها المتألمة والأمن لخوفها فتشعر بالراحة أثناء تناول الطعام فتزيد من كمياته بما يفوق حاجة جسدها.
مقترحات
وتضع الباحثة في ختام دراستها جملة من المقترحات منها ضرورة إجراء المزيد من الدراسات لدى عينات تشمل فئات عمرية مختلفة للمقارنة بين المراهقين والراشدين في الإصابة بالنهم العصبي والقلق المعمم، وذلك من أجل معرفة تأثير الفئة العمرية على اضطراب النهم العصبي والقلق المعمم.
وضرورة استخدام مقياس النهم العصبي في المدارس ولاسيما في مدارس الإناث ، باعتبار أننا نتيجة البحث كشفت أن النهم العصبي نسبته أعلى عند الإناث، كإجراء وقائي لتلافي وقوع المراهقين في هذا الاضطراب باعتبار الوقاية خير من العلاج.
ونشر الوعي عن اضطراب النهم العصبي والقلق المعمم في جلسات أولياء الأمور في المدارس وطباعة ملصقات تثقيفية مصورة تساعد على تعريف المراهقين على هذه الاضطرابات النفسية.