القِيادة الروسيّة بصدد اتخاذ إجراءات ردعيّة تعويضيّة لتقليص آثار العقوبات
في الوقت الذي يتباحث فيه الغرب عبر الفيديو للبحث في العقوبات الماليّة المُفتَرضة على روسيا، ومن أبرزها إبعادها كُلِّيا عن استِخدام نظام “سويفت” المالي، وفرض عقوبات، أو حظر، على صادراتهما النفطيّة والغازيّة، تفيد تقارير أوليّة بأن هذه العقوبات على قسوتها قد تكون نتائجها السلبيّة أقل ممّا هو مُتوقّع خاصَّةً على المَدى البعيد، لأنّ القِيادة الروسيّة اتّخذت إجراءات ردعيّة تعويضيّة لتقليص آثارها.
ونشرح أكثر، ونقول إن تنسيقًا مُكثّفًا يجري حاليًّا بين الصين وروسيا ودول منظّمة شنغهاي، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي للتخلّي بشَكلٍ متسارع عن الدّولار في التعاملات الماليّة والتجاريّة، مضافًا إلى ذلك تأكيد القيادة الصينيّة أنها لن تدعم العقوبات الغربيّة ضدّ موسكو، وستظل شريكة قويّة لها (لموسكو) في المُعاملات التجاريّة، بل ستعمل على زيادة حجم التّبادل التجاري بين البلدين، خاصَّةً في مجالات الطّاقة والتكنولوجيا، ومن المعروف أن الصين أكبر مُستهلك للطّاقة في العالم ويُمكن أن تستوعب أسواقها غالبيّة إنتاج روسيا من الغاز والنفط.
القِيادة الصينيّة توصّلت إلى قناعةٍ راسخة بأنّ بلادها، وليس روسيا فقط، هي المُستهدف الأكبر بالعقوبات الأمريكيّة الغربيّة، لأن الصين هي التي تُشَكِّل التّهديد الاقتصادي الأكبر للغرب، ولهذا ستعمل ليس على عدم عزل روسيا فقط، وإنّما أيضًا من أجل إعطاء هذه العقوبات أثرًا عكسيًّا، ويُؤدّي إلى عزْل أمريكا وأوروبا ذاتيًّا.
وحتى هذه اللّحظة لم تكشف القِيادة الروسيّة أوراقها الأقوى في مُواجهة العُقوبات الغربيّة، لكن هُناك خطوات أوّليّة أقدمت عليها، وأبرزها منع التّحويلات الماليّة من المُستثمرين داخِل روسيا إلى الخارج، وإجبار الشّركات المُصدّرة على تحويل 80 بالمِئة من دخلها من العُملات الأجنبيّة إلى “الروبل” وزيادة أسعار الفائدة من 10 بالمِئة إلى 20 بالمِئة لوقف تراجع قيمته.
الصين وروسيا تعملان مُنذ خمس سنوات تقريبا على إقامة نظام مالي بديل مُوازٍ لنظام “سويفت” الأمريكي الغربي، عماده الاعتِماد على العُملات الوطنيّة والتخلّي بشَكلٍ تدريجيّ عن العُملة الأمريكيّة (الدولار)، وحقّقتا تقدّمًا ملحوظًا من المُتوقّع أن يتزايد بفضل العُقوبات الأمريكيّة الأوروبيّة على روسيا، وربّما لاحقًا على الصين.
كما باتت العُملة الوطنيّة الصينيّة (اليوان الذهبي) الآن العُملة المُتداولة في المُعاملات النفطيّة والغازيّة، وانضمّت دول عديدة إلى النظام البديل الروسي الصيني، مِثل إيران والهند وفنزويلا، ودول أُخرى في أمريكا الجنوبيّة وإفريقيا.
الضّغوط الأمريكيّة لم تنجح حتى الآن بإقناع السعوديّة بالخُروج من اتّفاقها (أوبك بلس) مع روسيا، وزيادة إنتاجها النفطي لتخفيض الأسعار لتقليص الأخطار على الاقتِصادين الأوروبي والأمريكي، فالعُقوبات الأمريكيّة على روسيا أحدثت نتائج عكسيّة تمامًا حيث ارتفع سعر برميل النفط إلى 107 دولارات في الأسواق العالميّة ، أمّا أسعار الغاز فارتفعت حواليّ 35 بالمئة وهي أرقام قياسيّة غير مسبوقة، الأمر الذي يَصُب في مصلحة الخزينة الروسيّة التي تحتل المرتبة الأولى في صادرات الغاز والنفط.
إن لدولار الأمريكي وهيمنته على اقتصاديّات العالم وعُملاته الوطنيّة كوحدة قياس رئيسيّة إلى جانب (اليورو) قد يكون الضحيّة الأكبر للحرب الأوكرانيّة، ومعه نظام “سويفت” المالي الأمريكي في التّعاملات الماليّة في المدى المُتوسّط، وبعض الخُبراء يُقدّرون أنّ العُملة الأمريكيّة ستَفقِد عرشها في غُضون خمس سنوات إن لم يكن أقل، ولعلّ ضارّة نافعة.. واللُه أعلم.