بوتين يرسم حدود النار على توقيته..
على التوقيت الروسي رسم الرئيس فلاديمير بوتين حدود النار، بصبرٍ وتأنٍ وتخطيط استراتيجي منظم ربما أغفلته أمريكا أو غفلت عنه في طريق سُعارها المحموم ضد روسيا، وعلى التوقيت الروسي لا الأمريكي بدأت العملية العسكرية الروسية في دونباس لتصحيح التاريخ وإعادة التوازن للعالم وتوجيه البوصلة العالمية نحو مسارها الصحيح، هذا التصحيح سيكلف واشنطن ثمناً غالياً في المقبل من الأيام ليس على الساحة الأوكرانية بل على الساحة العالمية، فهي جبهات مفتوحة ومتداخلة في مسرح واحد أقله راهناً، وسيكون وقعه أشد وطأةً من الهزيمة المدوية والمذّلة في أفغانستان .
لم تنجح واشنطن بالتحريض والتهويل عبر ماكيناتها الإعلامية التي جهزت مسبقاً أحداثاً لم تحدث تماماً كما رأينا في سياق الحرب الكونية على سورية، بل أتت العملية الروسية مباغتة وغير مباغتة في آن، لكن الأهم أتت كما تريدها موسكو ويمكن القول إنها نظيفة إذ بقي المدنيون في منأى عنها، وأتت على منشآت عسكرية أملت واشنطن عبرها استهداف روسيا التي فوتت على الأولى تهديد أمنها القومي.
ما جرى على الساحة الأوكرانية في الأيام القليلة الماضية كان متوقعاً لأي مراقب للأحداث، فواشنطن وحلفاء «ناتو» كفّوا أيديهم، باستثناء التنديد والوعيد، وهذا دليل مباشر على عجز الولايات المتحدة عن خوض أي حرب وتحمّل تكاليفها الباهظة أولاً، وثانياً عجزها عن خوض مواجهة مباشرة مع روسيا وهو عجز عسكري واضح.
إذاً ، إن كانت واشنطن لا تريد الحرب وعاجزةً عن المواجهة فماذا تريد؟، في الواقع كُثر في الولايات المتحدة وحتى داخل المؤسسة العسكرية والأمنية والسياسية يدفعون للحرب مع روسيا، لكنهم يدركون تداعياتها السلبية على صورة وموقع أمريكا العالميين، لذلك، فإن المراد هو فقط إشعال الجبهات وإطالة أمد الحسم قدر الإمكان للوصول إلى نقطة لا ربح ولا خسارة، وإضاعة ذلك بين الحديث عن مفاوضات هي بدورها تطيل أمد الأزمات لأن واشنطن لا تريد التفاوض وأثبتت التجارب ذلك، فهي تريد إملاء الشروط فقط، كما أن قيام واشنطن بإشاعة الفوضى وتهديد الأمن الروسي قدر الإمكان ينعكس بالضرورة على جبهات أخرى تتواجه فيها أمريكا مع روسيا بطرق غير مباشرة كما على الساحة السورية، فالمعركة واحدة ومتكاملة بطبيعة الحال.
رجل واشنطن في أوكرانيا فلاديمير زيلينسكي كان وحيداً إلا من عرض اللجوء عليه من واشنطن وأتباعها، فخذلته واشنطن كما خذلت من على شاكلته، وبات الكثير من المدن الأوكرانية تحت السيطرة الروسية بسلاسة وهدوء وبلا دماء، وكييف ستكون التالية ، إذ أقر مسؤولون أمريكيون أنها ستسقط خلال 96 ساعة، وكانت لافتةً أيضاً سلاسة استسلام الجنود الأوكرانيين الرافضين مواصلة الخدمة في أوكرانيا.
إن كانت كلمة السر خلف ما يجري هي الطاقة ولاسيما التحكم بسوق الغاز العالمي ومنع روسيا من التحكم والاستفراد به، فواشنطن خاسرة حتى وإن لم تكسب روسيا والخاسر الأكبر هو الدول الأوروبية، وإن كانت في الإضرار بالاقتصاد الروسي فإن أمريكا خاسرة أيضاً لأن الضرر عالمي، وسيطول النظام المالي العالمي المرتبط بالدولار .
خسارة واشنطن في أوكرانيا تعني بلا شك خسارتها النهائية في سورية وخسارتها في ساحات أخرى، وأنها باتت في موقع المردوع وليس الرادع.