من أين أبدأ؟
سؤال شغل حيزاً كبيراً من تفكيري في الطريق إلى البيت، عقب زيارة قصيرة قبل أسبوع لصحيفة تشرين بعد سنوات من الغياب عنها بحكم نهاية الخدمة، الصحيفة التي كان لي شرف الانضمام في أواخر سبعينيات القرن الماضي إلى أسرة تحريرها الناشئة، شاباً في ذلك الحين تتوق روحه إلى الانخراط في ورشة بناء عملاقة كان يُروِّجُ لها الإعلام آنذاك تحت شعار «سورية الحديثة» عبر إطلاق مشاريع بنية تحتية على امتداد مساحة الوطن، بخطط خمسية طموحة تسابق الزمن، لتضع سورية في مقدمة الدول النامية التي أنجزت خلال عقد السبعينيات فقط بنية تحتية خدمية واقتصادية وثقافية متقدمة في شتى المجالات الحيوية، كالتعليم المجاني بكل مراحله، والرعاية الصحية المجانية، وكهرباء الريف، والاكتفاء الذاتي من شتى مصادر الغذاء والطاقة، واستقرار سياسي ومجتمعي لم تشهده سورية من قبل.
لا أنكر إنني تفاجأت بدعوة مديرة التحرير وهي تنقل لي رغبة رئيس التحرير أيضاً بالعودة إلى الكتابة بعد انقطاع عشر سنوات، والانضمام إلى فريق كتاب هذه الزاوية العريقة، عراقة الصحيفة ذاتها، ولا أنكر أيضاً إنني شعرت بالغبطة والخوف معاً.
الغبطة، لأنني أعرف تاريخ وتقاليد هذه الزاوية التي تأسست منذ اليوم الأول لصدور الصحيفة عام 1975 تحت اسم «عزف منفرد» وكان يتناوب على كتابتها يومياً الأديبان الكبيران محمد الماغوط، وزكريا تامر إلى أن هجراها، فعاودت الصدور بعدهما تحت اسم «آفاق» ولا تزال، وجمعت تحت مظلتها كوكبة من نخبة المثقفين والكّتاب في سورية.
الخوف، من قلق الكتابة الذي سوف يرافقني من الآن، وعلى مدار الأسبوع. الخوف، من أن لا أطول، وأنا في شتاء العمر، ظلَّ أي من هؤلاء الكتاب الكبار الذين تعاقبوا على مدى أربعة عقود ونيف في إمتاع القرّاء بغنى معرفتهم، وثراء ثقافاتهم، وخلاصة تجاربهم في الحياة.
الخوف، من أن يكون فيض الكلمات التي كنت أراها منثورة كالورد على طاولتي، أقطف منها ما أشاء مع رشفات أول فنجان قهوة كل صباح، قد هجرني إلى غير رجعة.
الخوف، من الوقوف أمام الذات التي أتعبها الترحال وسنوات الحرب العجاف، وعبثية الكلمات.
إنه البرد الذي يتسلل إلى الروح قبل الجسد، والأمل الذي ينبعث بعد غياب طال انتظاره.
أهو الشتاء الأخير مع صقيع الكلمات؟
وضاح عيسى
4359 المشاركات