معارك قصب السبق
ثمة أمرٍ ما، يشدُّ بعض المثقفين العرب إلى البحث عن المسودّات الأولى، أو الإرهاصات لبعض الأجناس الإبداعية، ولاسيما في الأدب، لدرجة تأخذ أحياناً “تيمة” النزعة، وكأنّ أمر تلك المسودّات، أو الإرهاصات هو ما يعطي الشرعية لهذا الجنس الإبداعي، أو ذاك. ولأنّ الأمر يأخذ تيمة النزعة كما أسلفنا؛ تصيرُ مسألة من كان له قصب السبق، تشكّل هاجساً لدى الكثير من هؤلاء المثقفين، فحتى اليوم -على سبيل المثال- لم يصل العرب لحسم من كان له قصب السبق في إنتاج الرواية العربية الأولى، هل هم المصريون، أم السوريون.؟!
وكانت “معركة” أقرب لأن تكون ضارية، وحامية الوطيس، تلك التي نشبت أوارها خلال مهرجان العجيلي الثالث للرواية العربية في مدينة الرقة يوم كانت تلك المدينة تُقيم مهرجاناتها الثقافية قبل الحرب على سورية.. كان أطرافَ تلك “المعركة” مثقفون سوريون ومصريون، وأما أسباب نشوبها، فكانت حول من كان له قصب السبق في سرد الرواية العربية الأولى، ولمن كانت الأسبقية والريادة في إيجادها..؟!
وقد تضامن خلال ذلك الجدال الحاد الذي اندلع على حين مداخلة، بعض المصريين والمغاربة مع السوريين، في أن الرواية الأولى، وبالشكل الذي نعرفه كانت سورية، لكن وبعد احتدامٍ في سرد التواريخ من أن محمد حسنين هيكل صاحب رواية “زينب” المصرية تارة، وطوراً فرانسيس مراش صاحب رواية “غابة الحق” السورية قد فعلها أول مرة، كان أن تمَّ ما يُشبه الوصول إلى حلَّ توافقي، أو الاتفاق الضمني، على أنّ من كتب الرواية الأولى في العالم العربي هي السورية زينب فواز، لكنها وياللدهشة والطرافة كانت تعيشُ في مصر..!
غير أنه ومنذ سنواتٍ قليلة، كان الناقد المصري سيّد البحراوي قد فجّر ما يُشبه هو الآخر “القنبلة” الدخانية في أوساط المثقفين المصريين الذين لديهم عقدة الريادة، معلناّ عن اكتشافه رواية «وي، إذاً لست بإفرنجي» وهي رواية صادرة في بلاد الشام، أقدم من كل ماسبق ذكره سورياً ومصرياً، وعندما سألته عن سر هذا الاكتشاف قال: الحقيقة أنني لست من اكتشفها، بل اكتشفها أحد طلابي، وهذه الرواية الصادرة عام 1856، يتحقق فيها الشرط الروائي، وبالتأكيد هي أفضل من رواية “زينب” لمحمد حسنين هيكل.. هذه الرواية التي كتبها في ذلك الزمان خليل الخوري، وحققها شربل داغر سنة 2007، صدرت فيما بعد في بيروت عن دار الفاربي على أنها الرواية العربية الأولى..!
في الشعر دارت رحى معارك شرسة، ولزمن طويل أيضاً ، وإلى اليوم، حول أيهما كان له شرف السبق والريادة في استخدام التفعيلة بالقصيدة، بدر شاكر السيّاب أم نازك الملائكة، ذلك أنه لم يكن ثمة أحد من رعاة الشعر ومؤرخيه مع السيّاب أو الملائكة أثناء كتابة الأول قصيدة “أزهار” وكتابة الثانية لقصيدة “كوليرا” سنة 1947، وغير ذلك من العلامات التي من شأنها أن “تحسم” جدل مَن سبق من؟
اليوم، وبعد أن صارت تلك الفنون والإبداعات السابقة، من الأجناس أو الإبداعات البائسة والمنقرضة، أو في طريقها إلى هذا المصير؛ نتساءل: من كان له قصب السبق في إنتاج أول مسلسل: المصريون أم السوريون؟!! باعتبار أنّ الدراما التلفزيونية، هي اليوم أم الفنون والأجناس الإبداعية وأبوها، وربما جدها أيضاً..!!
إضاءة:
في زمنٍ؛
لا قدرة للكلام على الرحيل،
تُحاولُ أقلامي
نسجَ رداءٍ ما
في بحثها الطويل
لمسك تلابيب المعاني..
و.. أنا
أحاولُ ترتيب الضوء
الهازئ بالعين..
علّني
أعيدُ الزمنَ
الهاربَ إلى الورد.