كعب أخيل والموت الطالع من الحكايا

منذ أن تشكلت الحياة ولد الموت، فالموت؛ هو الخاتمة المحتومة لكلّ ولادة.. تغير أن (حالة الموت)، أو على الأقل تجليها كمآلٍ أخيرٍ للأحياء؛ هو ما بقي مُلتبساً.. فقد يأتي الموت الكائن في اللحظة التي لم تكن في حسبان الأخير أبداً، وعندما أقول (الكائن)، أقصد كل كائن ولاسيما في ملامحه الثلاثة: البشر، الحيوان، والنبات..
في أزمنة ما، كزماننا اليوم؛ قد يحضر الموت بشكلٍ فجائعي، لا يحتمل ما اعتاد من مراحل: ولادة، شباب، كهولة، ومن ثم فناء، ففي الكوارث الطبيعية والحروب والأوبئة؛ تكون مهمته (دوكما)، ويصير الحديث فقط عن الناجين المحظوظين .. فلزمنٍ بدا طويلاً عندما أنظر له اليوم في التفاتة ما؛ كنت أعتقد أني من بلادٍ .. الموت فيها؛ هو موت الحكايات، أو الموت الذي يتسرّب من الحكاية .. أما وأن يصير الموت شيئاً قريباً من حياتنا العادية، موت قد يظهر في الشارع، وفي أي لحظة يفرُّ من الحكاية، ويصبح وحشاً يسكن الأشخاص … يركض هنا وهناك ليشرب من دماء الأبرياء ولا يشبع؛ فهذا أمرٌ لم نعرفه بشكله الفجائعي إلا منذ عقدٍ من السنين، هي عمر الحرب على سورية، ومع ذلك، أي رغم طول المدة من تجلي الموت؛ من الصعب التعوّد عليه، وهذا ليس أمراً سهلاً رغم حضوره كيفما التفت المرء..
في السابق ولاسيما في بداية الحرب على سورية؛ كان الكثيرون منا يحاولون الهرب من الموت بغلق التلفاز، أو تحاشي الحديث عن أولئك الذين ذهبوا ضحية القتل والإرهاب.. لا تهرباً، ولكنها قسوة التفاصيل؛ هي أشياء باتت تفوق طاقتنا، ورغبةً في بقاء ذلك الحاجز بين أن نعتاده أي الموت كحدثٍ عادي في حياتنا، وأن يبقى صورة من صور الحكايات، فلا يخرج منها إلى حياتنا.. لذا والحال كذلك لا بدّ من مهرب إلى أماكن لا يوجد فيها موت، أماكن تستفيق فيها وجوه من فقدناهم، أو من نعرفهم .. الرحلة صعبة بلا شك، وتحتاج من الزاد وطاقة الاحتمال الكثير.. غير أن الميديا الجديدة، أو كما تُعرف بمواقع التواصل الاجتماعي أمست اليوم جدراناً لتعليق النعوات، ولاسيما مع جائحة “كورونا” والحصار الغربي الجائر علينا، ومن ثمّ اختزال فسحة الحياة لصالح إطلاق يد الموت إلى أقصى امتدادٍ لها..
في ثقافة الحياة، كان ثمة الكثير من (التحايل) على الموت، وفي مدونة البحث عن الخلود تتعدد الحكايا التي تحكي عن شخصيات واجهت الموت بكلّ بسالة، ولكن كان دائماً ثمة (نقطة ضعف) للشخصية، كان الموت ينفذُ منها ليضع (الخاتمة) التي لا احتمال فيها سوى النهاية.. هل تتذكرون (كعب أخيل) في الميثولوجيا اليونانية، أو حكايا جلجامش، وأنكيدو في الميثولوجيا السومرية، ومثلها عشرات الحكايات، لدرجة ثمة من توسل حياةً ما، لابدّ موجودة – ربما – بعد ما يُسمى الموت!!
إضاءة:
على غصنٍ يشوبه اليباس،
كان صامتاً كقبر،
وعلى حين تأمّل؛
تذكّر أن الرصاص في كل مكان؛
العصفور
الهاربُ من سربِ
العشرةِ التي في اليد..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار