منذ أن تسلم حزب العدالة والتنمية الإخواني مقاليد الحكم في تركيا وتسلم أردوغان زمام الأمور في تركيا، تغيرت المعالم السياسية والعسكرية لهذا البلد بصورة كبيرة، وفي بعض منها، بصورة جذرية، على الصعيدين الخارجي والداخلي..
اليوم أدخلت سياسات رئيس النظام التركي الاقتصادية بلاده في نفق مظلم هذا إضافة إلى أن تدخلاته الخارجية في شؤون الدول الأخرى ودعمه للإرهاب قد أوقعتها في مشكلات مع العديد من الدول في المنطقة هذا النفق الذي وجد أردوغان نفسه فيه قد لا يستطيع الخروج منه من دون أن يدفع فاتورة هذا، لاسيما أن الأتراك يعيشون أوضاعاً اقتصادية صعبة بسبب تراجع قيمة الليرة التركية، الأمر الذي أدى إلى تراجع شعبيته وشعبية حزبه بشكل غير مسبوق.
عندما وصل إلى السلطة كان أردوغان تواقاً ليمدّ أطماعه نحو العراق وسورية وليبيا، إضافة إلى قبرص واستمرار النزاع مع اليونان، إلى جانب ما يقوم به من حكم استبدادي وسحق للحريات في بلاده، ما جعل جميع القوى والأقليات العرقية في تركيا تستهجن وجوده كحاكم مستبد.
وهذا ما قاده إلى ترتيب مسرحية الانقلاب المزعوم في 15 تموز 2016 للتخلص من خصومه والتضييق عليهم بحملات الاعتقال، حيث تم زج عشرات الآلاف من الأتراك في غياهب السجون بزعم تأييد إسقاط نظامه، وهؤلاء المعتقلين من مختلف الأطياف والثقافات والقوميات من سياسيين وعسكريين ومفكرين ورجال كلمة وإعلاميين فضحوا مشاريعه وأطماعه الاستعمارية ضد الدول والشعوب، حتى الجارة منها.
أردوغان، اليوم، لا يبدو أنه يعيش أوضاعاً مريحة، مع موجة الغضب التي تتفاقم ضده من الشعب التركي الذي تتضاعف نسب الفقر بين أطيافه مع اتساع مستوى الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد بفعل سياساته الحربية العدوانية، هذا إلى جانب الخوف الذي يعانيه الأتراك مما يسمى «الشرطة السرية» ورجال الدرك والمخبرين السريين الذين أعطاهم أردوغان صلاحيات سرية لاعتقال كل من يخالف قراراته.
وهذا ما جعل الأحزاب التركية العلمانية تصدر بياناً قبل أيام قليلة تندد وتستنكر أعمال أردوغان في السياسة الخارجية وتوريطه لتركيا في أزمات إقليمية (وحتى دولية) لا تنتهي.
لقد سعى أردوغان إلى تحويل تركيا إلى ما يشبه الشرطي في منطقة الشرق الأوسط لا يتحرك إلا والعصا في يده مهدداً، وهو بهذا أفقد بلاده، عاماً بعد عام، كل مصداقية لها مع شعوب ودول المنطقة، ومع العالم، وهو الآن لا يملك غير نفسه وحفنة من الأعوان الذين لطخوا سمعة تركيا من أجل إحياء حلم العثمانية، ومشروع إمبراطورية ماتت ولن تعود للحياة أبداً.
ما وصل إليه أردوغان وانهيار مشروعه الاستعماري أسبابه كثيرة يمكن أن نجملها بالتالي:
1 – الرفض الإقليمي لسياساته وتدخله في شؤون الدول الأخرى، ودعم الإرهاب وفتح حدود بلاده للإرهابيين من كل حدب وصوب، وإرسال قواته ومرتزقته إلى العديد من دول المنطقة من العراق إلى سورية إلى ليبيا، وهذا مرفوض جملة وتفصيلاً من معظم القوى والسياسيين الأتراك، ما جعل أردوغان في موقف الخاسر المهزوم هو ومشروعه الاستعماري.
2- السخط الشعبي التركي الذي فضح جميع المشاريع التي وضعها أردوغان لزجّ هذا الشعب وجيشه في حروب خارجية لأهداف وطموحات شخصية، مع وقوف الأحزاب التركية في وجه خروقات أردوغان في الجانب السياسي والاقتصادي والعسكري والثقافي، وما زاد السخط الشعبي أيضاً امتلاء السجون بقادة المجتمع المدني الذين يطالبون بحقوق الشعب المشروعة.
3- تركيا التي ظلت تنتظر لأكثر من عقد من الزمن لكي تدخل الأسرة الأوروبية ويمارس فيها المواطنون حقوقهم الديمقراطية والسياسية والإعلامية بكل حرية باتت اليوم أكبر سجن للحريات في العالم، وهذا ما أكدته كل التقارير الحقوقية الصادرة عن أكبر المنظمات الدولية.
هذا التردي في الحقوق والحريات وضع تركيا في أدنى مرتبة بالنسبة لحقوق المرأة.
4- سعي أردوغان عبر حرب التعطيش إلى حرمان الشعبين السوري والعراقي من المياه، والذي هو أكبر دليل على حقده الدفين ضد شعوب المنطقة، وهذا ما وسع دائرة الغضب الداخلي من سياساته.
يخسر أردوغان كل الرهانات التي أراد تحقيقها في المنطقة العربية، لتصبح علامات ضعفه ظاهرة للعيان، فأيام حكم أردوغان تبدو وفق استطلاعات الرأي التي نشرت مؤخراً معدودة حيث أشارت الاستطلاعات وفق أحدثها إلى أن مكانة حزبه انخفضت إلى أدنى مستوياتها منذ 19 عاماً، وباتت تحوم حول 30 في المئة فقط، وهو ما يشير إلى أن تحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية سوف يفشل في تأمين حصول أردوغان على نسبة 50 في المئة من الأصوات اللازمة للفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام2023.
هذه الأسباب وغيرها الكثير تجعل من سياسات ومشاريع هذا المستبد الإرهابي منهارة وهذا نتيجة متوقعة تبعاً لسياسة أردوغان وتحول بلاده إلى مصدر للمشاكل ليس في المنطقة فحسب بل في العالم.
*كاتب من العراق