هرباً من التضخم
تباينت ردود فعل العديد من الأكاديميين والفعاليات الاقتصادية حول الرقم الذي أعلنته الحكومة لموازنة العام القادم وبنية هذا الرقم، منهم من اعتبرها مؤشراً إيجابياً على المرحلة القادمة، وآخرون شككوا بجدوى الزيادة الكبيرة في رقم الموازنة مقارنة بالعام الحالي..
ولعل البند الأكثر إشكالية كان موضوع عجز الموازنة الذي يتجاوز الأربعة آلاف مليار ليرة وبنسبة تصل إلى ٣١% من رقم الموازنة، فهناك من قال إن العجز بالموازنة عامل إيجابي وصحي ودليل على إنفاق عام إيجابي قادم للحركة الاستثمارية والإنتاجية والدائرة التجارية الداخلية، وآخرون اعتبروه عاملاً تضخمياً لأن التحصيل الضريبي في أدنى مستوياته بسبب الآليات المتبعة من قبل وزارة المالية وحالات الفساد في تقدير الضرائب وجبايتها، كما أن الفوائض التي من الممكن أن تأتي من القطاع العام ستكون قليلة بسبب ظروف الشركات والمنشآت الصناعية العامة.
كاقتصاد خرج من حرب على سورية تعتبر من أقذر الحروب التي شهدتها البشرية فنحن نحتاج إلى استثمارات ضخمة تقود عملية التنمية الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي، وأثبت القطاع العام أنه الضمانة الوحيدة للدولة والمواطنين لأن القطاع الخاص سيتردد فترة تعتبر طويلة نسبياً مقارنة بما ننتظره جميعاً، وما أعلنته الحكومة عن أن تركيز أولويات الإنفاق سيكون على المطارح الاقتصادية لكلّ وزارة يعني أن يتم الإنفاق على المطارح الإنتاجية التي تؤتي أكلها بسرعة وذلك ضروري من أجل تغطية نفقات الموازنة في العام القادم، وفي الوقت ذاته فمن الضروري الاهتمام بالإنفاق الاستثماري الإنتاجي السلعي حتى لا نقع في مطبات التضخم وتفقد الزيادة في الموازنة أهميتها.
لذلك نتمنى أن تركز جهاتنا العامة على البعد الاستثماري في خططها القادمة، وعدم تركيز الجهود على الشق المعيشي والدعم للمواطنين الذي أخذ الجهد الأكبر من الحكومة منذ ولادتها وحتى الآن، فرغم أهمية هذا الموضوع إلا أن وضع الاستراتيجيات الاستثمارية والعمل على تنفيذها هو من سيحقق الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل وسيعيدنا إلى الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي.