ارتباط الطفل بصديق واحد هل هي معضلة؟
بات ارتباط الطفل بصديق واحد معضلة مطروحة لدى اختصاصيي التربية، حيث تتمركز حياته حول ذلك الشخص الذي يصبح بالنسبة له بمنزلة العائلة، والإخوة والقدوة وخازن الأسرار، وبغيابه تتوقف حياته وتتأثر حالته النفسية.
فمعظم الآباء يرغبون في أن يكون أبناؤهم اجتماعيين، ولا يكتفون أن يكون لديهم صديق واحد فقط، فمن الضروري تمكين الطفل من توسيع دائرة أصدقائه ومعارفه، ما يخلق أجواء إيجابية ليتعلم من خبراتهم في الحياة.
في رأي ليندا يوسف « مربية في رياض الأطفال» أن العديد من الأطفال لديهم صديق مقرب، والآخرون لديهم مجموعة من الأصدقاء، لكنهم لا يميزون واحداً أو أكثر على أنه أفضل صديق، ومع ذلك قد ينتهي الأمر بواحد أو أكثر لقضاء معظم الوقت معه، ليصبح بحكم الواقع أفضل صديق، مشيرة إلى أنه غالباً ما تتطور الصداقات لأسباب عملية، ولاسيما عندما تكون لديهم الاهتمامات ذاتها أو الهوايات المشتركة، فالأطفال الذين يقضون فترات طويلة من الوقت مثل الجلوس بجانب بعضهم في الصف، أو اللعب في الألعاب نفسها أو بحكم الجيرة أكثر عرضة لتكوين هذه العلاقات.
د. وعد محمد كلية التربية – جامعة دمشق بينت أنه ليس من المانع أن يكون لدى الطفل صديق مفضل، ومجموعة من الأصدقاء هذه حالة طبيعية وليست مشكلة، أما إذا كان لديه صديق واحد فقط، وليس لديه أصدقاء فهذه مشكلة، والسبب أن هذا الشيء مرتبط بمهارات التواصل، وإقامة العلاقات مع الآخرين، ففي حال كان لديه صديق واحد فقط فإننا نقول: إن هذا الطفل غير قادر على إقامة علاقات مع الآخرين، ومن الممكن أن يكون مرد هذا الشيء إلى الخجل الموجود، أو الخوف أحياناً, وتالياً خوف الأهل من انخراط الطفل بالمجتمع، أو ببعض رفاق السوء فيلجؤون إلى الحد من علاقاته وصداقاته، وهذا الشيء يشكل مشكلة عند الطفل خاصة في حال غياب هذا الصديق المفضل أو سفره، أو حتى انتقاله من مكان سكنه في بعض الأحيان ما يضطره للانتقال من مدرسته الأمر الذي يشعر الطفل بالوحدة والعزلة.
لذلك حتى نشجع الطفل على إقامة صداقات مع رفاقه وأقرانه ويوسع هذه العلاقات، علينا نحن الأهل التخطيط لذلك، عن طريق زيارة أقارب لديهم طفل من عمره نفسه، أو تسجيله بنوادٍ وفعاليات ترفيهية يتعرف من خلالها إلى أطفال في عمره نفسه، ولديهم الميول والاتجاهات نفسها .
أما دور المدرسة فيتركز في تنظيم الألعاب الجماعية، وشرط نجاحها أن تكون على شكل مجموعات يتنافس فيها الأطفال ويتعاونون في آن معاً.
وعن ارتباط الطفل بصديق واحد، وعلاقتها بمرض التوحد قالت د. محمد: لا ترتبط علاقة الطفل بصديق واحد بمرض التوحد، والسبب في أن الأخير تظهر علاماته في عمر صغير جداً، فموضوع تكوين صديق واحد ليس له علاقة بالتوحد، فهذا موضوع مختلف له أعراض ومسببات وطريقة خاصة للتعامل معه.
أما من الناحية النفسية فترى د. غنى نجاتي اختصاصية الصحة النفسية أن كل شي قد يبدو أفضل مع وجود الصديق المقرب، والمفضل «الأنتيم كما يقال», وهذا يشعر الطفل بالأمان الاجتماعي والقوة النفسية، حيث يعد وجود هذا الصديق في المدرسة أو النادي يخفف شوق وحنين البعد عن البيت، ويساعد في الانفصال العاطفي عن الأم، ومن الطبيعي من وجهة نظر الصحة النفسية وجود ميل لدى الطفل بتفضيل صديق واحد عن الجميع، وارتباطه عاطفياً وروحياً فيه، وهذه سمة اجتماعية طبيعية لا تدعو لتوجس وخوف الأهل، لأنهم يرون طفلهم لا يحب اللعب إلا معه، ولا يرغب بالذهاب للمدرسة أو الحديقة، إلا بعد أن يتأكد من ملازمة صديقه له، وسبب هذا الارتباط العاطفي القوي هو قوة وصفاء المشاعر الإنسانية الإيجابية للطفل، فنجده يقاسم صديقه المفضل لوح الشوكولا الغالية على قلبه وسندويشته اللذيذة، وحتى يسمح له باستعمال ألوانه وجميع ألعابه وأغراضه الشخصية، ولكن مثل كل موقف بالحياة هناك جوانب سلبية تختبئ في هذه الصورة البريئة، فربما يكون الصديق المفضل لطفلي هو طفل يحب السيطرة وفرض رأيه، أو ربما يكون لديه بعض العادات السلوكية غير المحببة كالكذب أو العنف، وغيرها من العادات السلبية، والتي تسبب صدمة واستغراب الأهل أحياناً، وربما ينتج عنها بعض سوء التفاهم في المدرسة أو الأسرة, لذلك ومن وجهة نظري كاختصاصية بالصحة النفسية، أنصح الأهل بتعليم طفلهم أنه ليس عليه أن يحب جميع الأطفال بالدرجة نفسها، ولا بأس بوجود تفضيل لواحد فقط، ولكن لا يزال عليه أن يعامل بقية الأطفال بمحبة ومودة، وأن يعد زملاءه في المدرسة كإخوته وأقربائه، فيحسن معاملتهم ويلقي عليهم التحية، ويدعوهم للعب بين فترة وأخرى، وطبعاً توسيع دائرة العلاقات الإنسانية للطفل تتطلب من الأهل مساعدته على إتقان المهارات الاجتماعية، وتعلم روح المبادرة، وفن الثقة بالنفس، وأنا أعدها الأساس لسواء الطفل، فكلما زادت قناعة الطفل بأنه سعيد مع نفسه ومرتاح وراضٍ عن ذاته، شكل ذلك مصدر قوة داخلية تكسبه مناعة ضد الصدمات الاجتماعية والإنسانية، التي ستواجهه في الحياة الواقعية، ولا ننسى أن تعامل الأهل مع مجتمعهم وصداقاتهم باعتدال وحكمة أمام الطفل، الذي يراقب سلوكهم دوماً يعلمه الطفل حسن التصرف في المواقف المختلفة والمتنوعة، وعلى جميع الأهل التعامل مع مشكلات الطفل الاجتماعية والنفسية بهدوء وتعقل، لأن ذلك يعكس لديه شعوراً ضمنياً بعدم التوتر النفسي أو الشعور بالضيق خلال المناسبات الاجتماعية في المدرسة والبيت والنادي، وإن أكثر صديق يستحق الاهتمام والمحبة هو ذاتنا أولاً، وأحباؤنا الأصدقاء ثانياً، وطبعاً بحكمة واتزان حتى لا تصبح لديه نزعة تطرف مرضية.