تفسير الماء ..!
جميل جداً أن يصارح المسؤولون المواطنين, ويقدموا لهم الواقع من دون تجميل أو تحايل، أو تقديم وعود لا يمكن تنفيذها ضمن الإمكانات المتاحة والظروف السائدة، وهذا يمكن وصفه بالشفافية اللازمة حتى يصبح المواطن على اطلاع تام على ما يمكن أن يحدث أو ما سيتخذ من قرارات.
لكن الغريب أن تقتصر الشفافية على عرض الواقع والمشكلات والصعوبات وتقديم المبررات التي يعرفها الجميع بشكل عام من دون حاجتهم للغوص في التفاصيل الدقيقة، والتي لا تقدم أي شيء للمواطن ولا تلزمه في أموره المعيشية اليومية.
فعندما تقدم وزارة التجارة الداخلية مبررات لارتفاع الأسعار الجنوني وفق متواليات مستمرة منذ أكثر من عام برغم الثبات النسبي لسعر الصرف خلال هذه الفترة، وتقول: إن السبب هو الغلاء العالمي في أسعار المواد الغذائية، وكذلك وجود احتكارات سيتم القضاء عليها، أو سرقات لبعض المواد المدعومة وبيعها في السوق السوداء أو ارتفاع تكاليف النقل والشحن الدولية, «وهذا ما تتفق معها فيه وزارة الاقتصاد» وكذلك تكاليف النقل الداخلي بسبب تهريب المازوت وبيعه في السوق السوداء.
أو عندما تبرر وزارة الصناعة بأن أسعار المواد المصنعة محلياً في القطاعين العام والخاص أعلى من أسعار المواد المستوردة بسبب ارتفاع تكاليف الاستيراد والنقل وقلة مصادر الطاقة، وترتفع أسعار منتجاتها بشكل مستمر في تسابق مع القطاع الخاص.
وعندما تبرر وزارة الزراعة عدم مقدرتها على تأمين الدعم للفلاحين ولمنتجي الثروة الحيوانية، وتعجز عن تلبية احتياجاتهم لمستلزمات الإنتاج من دون أن يتعرضوا للابتزاز من تجار الأسواق السوداء، وترفع أسعار الأسمدة «والتي ستستعمل خلال الفترة القليلة القادمة» مباشرة بعد قرار مجلس الوزراء برفع سعر استلام القمح «الذي سيدفع بداية الصيف القادم».
كل العثرات الموجودة في اقتصادنا وحياتنا المعيشية يعلمها المواطن ولا يحتاج من المسؤولين أن يفسروا له الماء بالماء، وما يطلبه منهم هو تقديم الحلول التي وضعوها من أجل التفكير واستكشافها وتقديمها بعيداً عن التوصيف الممل، فالمشكلات تتلخص بارتفاع الأسعار وعدم ملاءمتها للدخول، والحلول يجب أن تدور إما في تخفيض الأسعار وإما في رفع الدخول وهي من المؤكد أمور صعبة لكن تجب المحاولة.