غاز روسيا في مواجهة أمريكا
تجابه الولايات المتحدة الأمريكية المتغيّرات الدولية التي زعزعت مكانتها وخلخلتها على الساحة العالميّة لمصلحة دول وقوى كبرى أصبحت منافسةً لها بلا منازع، بسيلٍ من المزاعم والاتهامات والاستفزازات والترويج لمعطيات لا أساس لها من الصحة، تخفي خلفها انكسارها كقوة لم تعد متفردة دولياً في ظل تعددية قطبية فرضت نفسها شاءت واشنطن أم أبت.
جديد المزاعم الأمريكية، استخدام روسيا إمدادات الغاز سلاحاً وأداة ضغط.. في الحقيقة باتت مصادر الطاقة جزءاً من المعركة الجيو- سياسية والجيو- اقتصادية بين القوى الكبرى، إذ إن الطاقة، ولاسيما الغاز، كما بات معروفاً، تعد أحد أركان البناء الاستراتيجي على مختلف الصُعد حول العالم، ونجد أن الحروب التقليدية وإرسال حاملات الطائرات إلى بقاع مختلفة من العالم، لم تعد بأهمية حروب الطاقة والصراع الجيو- إستراتيجي عليها.
مما لاشك فيه أن تنامي القوة الروسية وصعودها على نحوٍ لافتٍ ولاسيما في السنوات الأخيرة، شكّل مصدر قلق لواشنطن، لذلك فإنها تعمد دائماً إلى إثارة الغبار حول هذه القوة الروسية، سواء على الساحة الدولية أوفي إقليمها ليس ذلك فحسب، فإذا توقفنا عند موضوع الطاقة، فالغاز الروسي قد يصبح منافساً للغاز الصخري الأمريكي، في الأسواق الأوروبية، ولاسيما أن أسعاره منخفضة مقارنةً بنظيره الأمريكي، ولأن أوروبا أكبر مستورد للغاز في العالم، فإن واشنطن تريد احتكار السوق الأوروبية لصادراتها من الغاز، فهي لا تتقبل وجود من ينافسها ولا تستطيع بتعاملها الفوقي تمرير هذا الأمر بسهولة، وتعرّض مشروع الغاز الروسي “السيل الشمالي -2” للضغوط الأمريكية لا يندرج إلا في السياق المذكور.
أمام المعطيات السابقة، تعمد أمريكا إلى شيطنة كل ما تُقدِم عليه روسيا، لرفع عصا التخويف ووضع العصي في دواليب أيّ علاقات تعاونية بين روسيا والأوروبيين ولاسيما المعني منهم بمشروعات الغاز الروسية كألمانيا، خاصةً أن واشنطن ترى أوروبا حليفاً تابعاً يجب أن يبقى منقاداً دائماً ورهن أوامرها.
عالم اليوم، بتناقضاته واختلاف توجّهاته ولا سيما السيّاسيّة، يتجه نحو بناء علاقاتٍ قوامها المصالح الاقتصاديّة المشتركة بطريقة أو بأخرى، وما تدمّره السياسة، قد يرممه الاقتصاد ولو بأشكالٍ خجولة، لذلك، فإن كلّ الوسائل الأمريكية المستخدمة في تخويف الدول من بعضها وإثارة التوترات فيما بينها، إن نجحت في الكثير من المحطات، فليس بالضرورة أن يحالفها الحظ في محطاتٍ أخرى، وخاصةً اليوم في ظلّ المتغيّرات الحاصلة.