سوق الأفكار

يتبرأ القائمون على عددٍ من المشاريع الثقافية من فكرة الربح، كما لو أنها تتعارض مع أيّ إنجازٍ آخر، ويسارع هؤلاء في التأكيد أن غايتهم أبعد وأكثر أهمية، لكن ما يحصل في كثير من الأحيان هو أن تلك المحاولات لرفد المشهد الثقافي العام تتوقف لأسباب عديدة، معظمها يتعلق بالمال، بدءاً من التمويل والمبالغ اللازمة لاستئجار القاعات والمعدات كأجهزة الصوت والإضاءة والشاشات إلى غيرها مما يلزم للتعاون مع أشخاص أو فرق أو جهات معنية بالتشكيل أو المسرح أو الموسيقا، وما إلى ذلك، وفي حال فكّر أصحاب المبادرات بنقلها إلى محافظة أخرى، فالإشكاليات ستتضاعف، وفي مقدمتها أجور النقل.
خلال أعوامٍ مضت كنّا شهوداً على أفكار وآمال انتهت قبل أن تبدأ، فقط لأن الحالمين بتحقيقها رفضوا البحث عمّن يساعدهم، بحجة الخوف من أن يتسلّم غيرهم إدارتها أو توجيهها. لم يعترف هؤلاء بحاجتهم إلى الدعم مادياً ومعنوياً، ظنوا أن امتلاءهم معرفياً يُخولهم القدرة على الإدارة والاستمرارية، خافوا أن تُنسب خلاصة تجاربهم إلى آخرين، حتى فضّل بعضهم وأدها على أن يقودها من هو أجدر. ربما نسوا أن الأفكار قابلة للتطور والتقدم، وأن مشاركتها تزيدها غنى وأهمية، ولا يعني هذا بالضرورة سرقتها أو الاستئثار بها، بقدر ما يسمح بمزيد من الاستفادة والتنافس، والمصلحة هنا فردية وجماعية في وقت واحد.
بعض الأفكار لا تستحق أن تتحوّل إلى مشاريع، بعضها اعتيادي وفاقد للجدوى سلفاً، هناك ما هو مضحك لكنه قابلٌ للتطبيق والانتشار، وهناك أيضاً ما هو محدود الأفق لكنه يجد دعماً من مختلف الجهات، أحدهم يعمل منذ سنوات على مشروعٍ ثقافي ليس أكثر من ثرثرة، والمفارقة أن سيل الكلام المجاني سيتحول إلى كتابٍ مطبوع قريباً، ربما يجد طريقه إلى رفوف المكتبات لكنه لن يكون أفضل حظاً مما كان عليه قبل تنضيده على الورق، ومع ذلك يمتلك هذا “الباحث” الجرأة ليقول إن لديه مزيداً من المشاريع والأفكار، الخوف أن يعرف أحدٌ بها فيسرقها!.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار